يبدو أن الجدل الدائر داخل وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة حول رفع سن التوظيف لم يعد مسألة إدارية محضة، بل تحوّل إلى مساحة تتقاطع فيها الاعتبارات الاجتماعية مع الحسابات السياسية. هذا النقاش، الذي يُفترض أن يكون جزءًا من إدارة عقلانية لموارد بشرية حيوية، أصبح اختبارًا لموازين القوى داخل التحالف الحكومي، ومؤشّرًا على هشاشة التنسيق بين مكوناته.
منذ أن أقرّ الوزير السابق شكيب بنموسى سقف الثلاثين سنة شرطًا لاجتياز مباريات التعليم، برّر القرار باعتبارات تتعلق بالكفاءة والاستثمار في المدى الطويل. لكن هذا التبرير الإداري لم يصمد أمام الاحتجاجات الاجتماعية المتصاعدة، والتي كشفت فجوة واسعة بين خطاب الإصلاح التربوي وواقع سوق الشغل، حيث تُحرم فئة كبيرة من الشباب من حقهم في محاولة اجتياز المباريات.
اليوم، بين من يدعو لرفع السقف إلى 35 سنة ومن يطالب ببلوغه 40 سنة، يظهر التباين داخل الحكومة ليس فقط في تقدير المصلحة العامة، بل في توظيف القرارات التقنية كأوراق سياسية. حزب الأصالة والمعاصرة، الشريك المأزوم، يتمسك بالإبقاء على الوضع القائم، خشية أن يحصد حزب التجمع الوطني للأحرار مكسبًا انتخابيًا إضافيًا، في وقت يعاني الأخير من أزمات داخلية تتراوح بين تدبير مهتز وقيادات متنافرة.
في المقابل، يمارس حزب الاستقلال حيادًا محسوبًا، وكأنه يترقب الوجهة النهائية للحكومة قبل إعلان موقفه، فيما يسعى حزب التجمع الوطني للأحرار لتوظيف هذا الملف كورقة تواصلية لترميم صورته أمام فئة شبابية فقدت الثقة في خطابه حول التشغيل والعدالة الاجتماعية.
مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، يتحوّل رفع سن التوظيف، وإن بدا مطلبًا اجتماعيًا مشروعًا، إلى مكسب رمزي يُحسب لمن يتبنّاه سياسيًا. لكن في الجوهر، يكشف هذا الجدل عن أزمة أعمق: غياب رؤية واضحة لإصلاح التعليم وربطه بسوق الشغل، بحيث يبقى الشباب المغربي رهينة مفاوضات عليا لا تعنيه إلا بقدر ما تحدد مصيره.
إن القرار المنتظر، في ضوء التوازنات السياسية الراهنة، قد لا يُحسم بمعيار الكفاءة أو العدالة، بل وفق ميزان القوى داخل الحكومة ومقدار ما يمكن لكل طرف أن يجنيه من رصيد انتخابي في موسم سياسي تتقدمه الحسابات لا المبادئ.













