ضاقت بشباب الداخلة سبل العيش الكريم في مدينتهم ؛ حتى من افنى منهم زهرة حياته متعلما ونال بالكد والجد شهادات عليا ؛ لم تتح لكثيرين منهم فرص ترجمة مكتسباتهم العلمية وخبراتهم المعرفية الى واقع عملي ؛ يشاركون من خلاله في تنمية مدينتهم اقتصاديا اجتماعيا وثقافيا ؛ وتوفير عيش كريم لهم ولمن يعولون ..
ومع تعاظم اليأس واستحكام حالة الاحباط في ظل اللامبالاة السائدة ؛ استسلم لقدر الله من استسلم وان كان مكرها لا بطلا ، واصبح الملاذ الوحيد في المدينة هو المقاهي ؛ وذلك لترويح النفس والخاطر من هموم الحياة ومشاكلها ؛ ففي الاونة الاخيرة اصبحت لاتخلو المقاهي وماشابهها من المعطلين الباحثين عن عمل باعتبار انها متنفسهم الوحيد في ظل انعدام حلول عملية ملموسة وواقعية لهذه الفئة المستضعفة ماديا والغنية فكريا .
فعلى امتداد المدينة جنوبا تكتظ المقاهي بالعاطلين الهاربين من شبح اليأس والانتظارية وفي كثير من الاحيان الرافدين لمنطق المماطلة والتسويف ؛ في وقت اضحى تنزيل النموذج التنموي الجديد قاب قوسين أو أدنى.
فمدينة الداخلة لا يخفى على احد منا مواردها الكثيرة والمتنوعة وساكنتها القليلة وارضها الغنية وشبابها الفقير ؛ فليس منطقيا الحديث عن بطالة او عطالة ؛ اذ لا معايير موضوعية للتشغيل ؛ ولا اعتبار بالكفاءة والاهلية ؛ وغاية ماهناك غنائم تتقاسم بين طبقة البطانة والصفاقين بمسميات تمويهية ؛ او بصفقات ومشاريع وهمية ؛ اما الكفاءة العلمية والخبرة العملية والامانة والمسؤولية فقلما تكون وحدها مرتقى الى مناصب ادارية ؛ او حتى وظائف لائقة ؛ يقف المتتبع للشان المحلي مندهشا امام ثنائية الشعب والارض ؛ بينما يزايله الاستغراب اول وهلة لظاهرة البطالة واستشرائها لكثرة دواعي ذلك ودلائله ؛ فالكثير من الادارات والمؤسسات بقيت من حين انشائها منذ اماد بعيدة حكرا على شخصيات بعينها ؛ فالمدير هو المدير منذ عقود والمحاسب هو نفسه والسكرتير او السكرتيرة هي هي ؛ فلا مكان ثمت لدماء جديدة قد تربك سير اسطوانة العبث المتاكلة بفعل التقادم والركود ؛والغريب في الامر ومايزيد الطين بلة ان تعطى ارقام واهية تفيد ان الساكنة المحلية تستفيد من ثروات مدينتها وتحديدا في قطاع الصيد البحري بشكل مباشر او غير مباشر وان 30 الف عامل تشتغل بالقطاع زيادة على الانعاش الوطني ” الكارطيات “؛ اليس هذا الضحك على الدقون ؛ فالشباب العاطلين عن العمل وبشكل شبه يومي يراسلون الادارة من أجل الاستفادة من عمل او توظيف او حلول ترقيعية ؛ ويعرضون خبراتهم باستمرار على الجهات والمؤسسات الا ان الملاحظ في قرارات الادارة انها تحرص على التحرز منهم ؛ والدوران في فلك الجهلة واشباههم ؛ من قدامى سلك التزلف والنفاق ؛ ليس لذلك تفسير سوى ان القائمن على الشان المحلي ؛ او الجهات المكلفة بذلك ؛ تحرص وتتفانى في سبيل ان تبقي الصفقات والسرقات بمنأى عن اعين العاطلين البريئة التي قد لا تتحمل لاول وهلة تلك المشاهد المهولة للتعدي والنهب ؛ وعن عقول متفتحة اعتادت السؤال والمساءلة عن كل شيئ ؛ ومن
طبيعتها التكوينية تعمد الاحراج ؛ فالثروة الحقيقية هي ثروة الرجال وليس المال والمنصب ؛ ولا فائدة من مال ومنصب اذا لم يسخر لخدمة الفقير والبائس والمحروم … !