حذر رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، عبد القادر اعمارة، اليوم الأربعاء، من تزايد الأشكال غير النمطية للتشغيل في المغرب، مشيرًا إلى أنها تثير تحديات كبيرة على المستويين القانوني والاجتماعي، مبرزا أن هذه الأنماط الجديدة من العمل، التي ظهرت بقوة في السنوات الأخيرة، تتسم بـ “الرقمنة والمرونة” وتختلف طبيعة أنشطتها، لكنها في المقابل تعاني من الهشاشة الأجرية، وغياب الحماية الاجتماعية، وضعف شروط الصحة والسلامة، وقضايا الخصوصية الرقمية، ونقص التمثيلية المهنية، وصعوبة ممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومقتضيات العمل اللائق.
وأوضح اعمارة خلال لقاء تواصلي لتقديم مخرجات رأي المجلس حول موضوع “الأشكال اللانمطية للتشغيل والعلاقات المهنية: تحديات جديدة وفرص ناشئة”، أن المنظومة القانونية الحالية في المغرب، التي صُممت أساسًا لتأطير الشغل القار والدائم، “لا تواكب خصوصيات هذه الأشكال الجديدة”، مما يؤدي إلى حرمان فئات واسعة من العاملين من حقوق أساسية مثل التغطية الصحية، والتعويضات العائلية، وأنظمة التقاعد، والتعويض عن فقدان الشغل، وحوادث الشغل، والأمراض المهنية.
وشدد رئيس المجلس على الأهمية البالغة لهذا الموضوع، ليس فقط لراهنيته واندراجه ضمن التحولات الهيكلية التي تشهدها عوامل الإنتاج وأنماط الاستهلاك عالميًا ومحليًا، بل لكون “العمل” يظل ركيزة أساسية في خلق الثروة الوطنية وتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية عادلة وشاملة ومتوازنة.
وأشار اعمارة إلى أن سوق الشغل يشهد تطورات متسارعة بفعل تحولات النشاط الاقتصادي وعوامل الإنتاج، خاصة مع الصعود المستمر لـ تكنولوجيا المعرفة والرقمنة والذكاء الاصطناعي.
وأضاف أن العلاقات المهنية لم تعد تقتصر على الأنماط التقليدية للشغل القار والمأجور، بل برزت أشكال جديدة درسها المجلس وخص بالتحليل ثلاثة منها تنتشر بوتيرة متسارعة بعد جائحة كوفيد-19، وهي: العمل عن بعد، العمل عبر المنصات الرقمية، والعمل لبعض الوقت.
ولاحظ المجلس بروز العديد من الوظائف والأنشطة التي تُنفذ بطرق غير تقليدية، مثل توصيل الطلبات ونقل الركاب عبر تطبيقات رقمية، أو العمل من خارج مقرات العمل في مهام مثل صناعة المحتوى والترجمة وتطوير البرمجيات وتقديم الاستشارات، لصالح شركات قد تكون خارج المغرب، كما لوحظ تزايد العمل لبعض الوقت لصالح مشغلين متعددين أو بالتناوب مع أنشطة أخرى كالدراسة أو الالتزامات الأسرية.
من جانب آخر، أشار اعمارة إلى أن هذه الأشكال تساهم إيجابًا في التنمية المستدامة، حيث تقلل من التنقلات اليومية وتخفف الضغط على البنى التحتية وتعزز النجاعة الطاقية، مما يحد من الانبعاثات الناتجة عن النقل ويقلص البصمة الكربونية.
وخلص رأي المجلس إلى أن انبثاق هذه الأشكال يشكل فرصة سانحة لجذب الاستثمارات في مهن المستقبل، وخلق فرص عمل للشباب والنساء، وتعزيز تنافسية المقاولات.
ومع ذلك، شدد اعمارة على أن تحقيق هذه الفرص يستلزم “إرساء توازن بين مرونة السوق ومعايير العمل اللائق والحقوق الدستورية والاجتماعية”، وفي مقدمتها العدالة الأجرية، والحماية الاجتماعية، والصحة والسلامة، والتمثيلية النقابية، والمفاوضة الجماعية.