مازالت العديد من السيارات التي تجوب مدن وشوارع المملكة، تحمل على واجهاتها الأمامية شارات معدنية تشير إلى مهنة صاحبها (برلماني، طبيب، محام، مقاول، مندوب طبي، أستاذ جامعي..)، أو إلى المؤسسات التي يشتغلون بها، إذ تعج مواقع التواصل الاجتماعي بمجموعة من الإعلانات التجارية التي تحاول إغراء الزبناء بطلب شراء هذه الشارة أو تلك مع ضمان خدمة التوصيل.
ومن الشارات التي تُروج لها هذه الإعلانات هناك شارات لا تشير إلى المهنة أو إلى المؤسسة، إذ تتضمن فقط شعار المملكة المغربية وألوان علمها إضافة إلى عبارة “الله- الوطن- الملك”، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قانونية إلصاق هذه العلامات المميزة على واجهة السيارات وحول الأسباب المفسرة لهذا الفعل، خاصة أن الأمر اتسع في الآونة الأخيرة ليشمل مجموعة من المهن والمؤسسات، في وقت توجهت فيه مؤسسات أخرى، على غرار المديرية العامة للأمن الوطني، إلى فرض قيود صارمة على منتسبيها فيما يتعلق بوضع الشارات المهنية على السيارات الخاصة؛ وذلك من أجل إبقائهم بعيدا عن الشبهات، حسب ما سبق أن تناقلته مصادر إعلامية.
لا يوجد نص
في هذا الإطار، قال الحسين بكار السباعي، محام وحقوقي، إنه “لا يوجد في التشريع المغربي أي قانون خاص أو أية مواد بقوانين عامة تنظم وترخص وضع الشارات المهنية التي ترمز إلى منتسبي بعض الوظائف العامة أو المهن الخاصة والتي غالبا من توضع في الجهة اليسرى من الواجهات الأمامية للسيارات”.
وأضاف السباعي أن “الطبيب مثلا يضع شارة ترمز إلى مهنته لتسهيل الدخول إلى المستشفى وتمكينه من ركن سيارته بالمكان الخاص بالأطباء، مع العلم أن الطبيب ملزم لتقديم الإسعافات الأولية لشخص تعرض لحادث أو أزمة في الشارع العام؛ وهذا ما يفرض عليه قانون مهنة الطب، إذ يمكن في حالات مماثلة للشرطي أو الدركي الذي يوجد في مكان الحادث أن يوقف السيارة التي تحمل شارة طبيب ليطلب منه تقديم المساعدة والإسعافات الأولية للشخص الذي تعرض لحادث أو أزمة صحية مثلا إلى حين حضور سيارة الإسعاف”.
وأشار إلى أن “الأمر نفسه نجده بالنسبة القضاة أو موظفي كتابة الضبط؛ فليس هناك أية مادة قانونية تنظم وضع الشارة الخاصة بوظيفتهم ولا نوعها، فقط تمنح لهم أو يتم اقتناؤها من مصالحهم الإدارية لتسهيل ولوج مرآب المحاكم الخاصة بالقضاة وموظفي وزارة العدل.. والشيء ذاته بالنسبة للمحامين، فليس هناك أي قانون في المهنة أو في النظام الداخلي يشير إلى ذلك؛ غير أنه وعلى سبيل المثال بالنسبة لهيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون فإنه يتم وضع الرقم المهني لكل محامية أو محام خلف شارته المهنية ولا تسلم منها إلا واحدة”.
وتابع المصرح بأن “هناك شارات عديدة أصبحنا نعاينها على سيارات ترمز إلى مهن ومؤسسات عديدة، والخطير شارات ترمز إلى الشرفاء وهي مختلفة أغلبها يضع رمز السيادة للمملكة المغربية أو خطين أحمر وأخضر ويتم صناعتها وتسويقها ووضعها دون حسيب ولا رقيب وكأن حامليها يتميزون عن باقي المواطنين والحال أن القانون سيد الجميع وأن الساهرين على إنفاذه مُلزمون بإعماله دون تمييز ولا محاباة”.
عقوبات وحاجة إلى قانون
وفيما يتعلق ببعض بالأفعال الجرمية التي قد ترتبط باستعمال هذه الشارات، قال المتحدث ذاته إن “القانون الجنائي المغربي حدد عقوبات على مرتكبي جريمة انتحال الوظائف أو الألقاب، إذ تنص المادة 381 على الحبس من 3 أشهر إلى سنتين وغرامة من 120 إلى 25 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين كل من استعمل أو ادعى لقبا متعلقا بمهنة نظمها القانون، أو صفة حددت السلطة العامة ظروف اكتسابها دون أن يستوفي الشروط اللازمة لحمل ذلك اللقب. كما تقضي المادة 382 من القانون نفسه بالحبس من 3 أشهر إلى سنة وغرامة من 120 إلى 1000 درهم، أو بإحدى العقوبتين، على كل من ارتدى علنا زيا نظاميا أو بذلة مميزة لإحدى الوظائف أو شارة رسمية وطنية أو أجنبية”.
وأوضح أن “وضع الشارات المتعلقة ببعض الوظائف أو المهن على الواقي الأمامي للسيارة لا يعني أنهم يتميزون عن غيرهم من المواطنين ولا أنهم فوق القانون أو غير معنيين بنظم السير والجولان”، مشددا في الوقت ذاته على أن “المُشرع وأمام فوضى استعمال الشارات بمختلف أنواعها وعرضها للبيع للعموم واختلاف نوع شارة مهنة واحدة ووظيفة واحدة دون وضع معايير خاصة توحدها مع استمرار استعمال رمز سيادة المملكة المغربية أضحى مطالبا بوضع قانون خاص ينظم الشارات المتعلقة بالوظائف العامة والمهن، خاصة القضائية والطبية والصحافية؛ نظرا لحساسية هذه الوظائف والمهن وحماية منتسبيها من سلوكيات بعض المتهورين”.
كما دعا المحامي ذاته إلى “إعمال دوريات أمنية لمراقبة واضعي هذه الشارات والتأكد من صفتهم وظيفتهم عبر طلب البطاقة المهنية، بعد التأكد من صفة وسلامة وثائق العربات التي يقودونها؛ وهذا يتطلب في رجال الأمن الحزم مع المخالف أو منتحل الصفة، للحد من هذه الظاهرة المشينة واللاأخلاقية والمخالفة للقانون”.
ثقافة سائدة وجيل جديد
قال الحسين العمري، أستاذ باحث في السوسيولوجيا، إن “إلصاق الشارات المهنية على واجهات السيارات قد يكون لغايات نبيلة مثلما هو الحال بالنسبة للطبيب، أو لتسهيل أداء المهام في حدود ما يسمح به القانون بطبيعة الحال؛ غير أنها لا تعطي أي أفضلية أو امتياز”، مضيفا أن “الإشكال قد يطرح عندما نجد السيارة نفسها الحاملة للشارة يقودها أكثر من شخص في العائلة”.
وسجل المتحدث ذاته، في تصريح أن “وضع هذه الشارات قد يكون بغاية إظهار المكانة في المجتمع بحثا عن احترام هذا الأخير والتميز عن باقي أفراده، وقد يكون أيضا لغايات إجرامية كالنصب والاحتيال، كما يمكن أن تكون مرتبطة بثقافة كانت سائدة في المجتمع والتي تلخصها الجملة التالية: “واش عرفتني مع من كتهضر”، مؤكدا في الوقت ذاته أن “الجيل الجديد من المؤسسات والمواطنين في المغرب لم يعودوا يؤمنون بهذه الثقافة ويعتبرون أن الجميع سواسية أمام القانون الذي يجب ألا يستثني أحدا بغض النظر عن وضعيته أو صفته”.
ولفت الباحث المتخصص في السوسيولوجيا إلى أن “انتشار وسائل التواصل الاجتماعي حد من هذه الثقافة، ثم إن المشرع المغربي نفسه لما نزع المهنة من بطائق التعريف الوطنية فقد سار هو الآخر في هذا الاتجاه”، مبينا أن “رجال الشرطة والدرك باتوا يستوقفون، اليوم، أفخر السيارات على الطرقات ويسجلون المخالفات بغض النظر عن سائقيها أو الشارة التي تحملها باعتبارهم مواطنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم”، مشددا في الوقت ذاته على أن “التسيب الذي بات يعرف إلصاق الشارات المهنية في السيارات دون مراقبة وإفساح المجال أمام أصحاب الدنيا السيئة لاستغلال هذا الوضع يتطلب تدخلا تشريعيا لتقنين هذا المجال”.