بدر شاشا
يعد تفكير البعض في المغرب بأن إنجاب عدد كبير من الأبناء هو نوع من “الاستثمار” لمستقبلهم، حيث يتوقعون أن هؤلاء الأبناء سيعملون لاحقاً لتوفير احتياجات الأسرة، من أبرز الأخطاء التي تفاقم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. هذه العقلية التي يختصرها البعض بعبارة “ولد 12 باش اخدمو عليا” تعكس مشكلات عميقة ترتبط بالفقر، نقص التعليم، والوعي الاجتماعي، مما يؤدي إلى نتائج سلبية على الأفراد والمجتمع بشكل عام.
آثار هذه العقلية على الفقر والعوائق الاجتماعية
1. زيادة الفقر
إنجاب عدد كبير من الأبناء دون وجود موارد مالية كافية لتلبية احتياجاتهم يؤدي بشكل مباشر إلى تفاقم الفقر. في الأحياء الفقيرة، يجد الوالدان أنفسهم غير قادرين على تلبية الاحتياجات الأساسية للأطفال، مثل الغذاء، التعليم، والرعاية الصحية. الفقر يتوارث بين الأجيال في هذه الأسر، مما يعزز دائرة مغلقة من المعاناة الاقتصادية والاجتماعية.
2. الضغوط الاقتصادية على الأسرة
الأسر التي تنجب عددًا كبيرًا من الأطفال غالبًا ما تواجه صعوبات في توفير أساسيات الحياة. يصبح من الصعب على الوالدين تلبية احتياجات الأطفال من تعليم، ملبس، مأكل، ورعاية صحية، مما يؤدي إلى تدني مستوى المعيشة. كما أن الأباء والأمهات الذين يعتمدون على أطفالهم للعمل بدلاً من الاستثمار في تعليمهم يخلقون جيلاً غير متعلم وغير مؤهل لدخول سوق العمل بفعالية.
تأثيرات على التربية والتعليم
1. التعليم المهمل
عندما يكون عدد الأطفال كبيرًا جدًا، يصبح من الصعب على الأهل توفير التعليم الجيد لهم. ينتهي الأمر بالكثير من الأطفال إلى ترك المدرسة مبكرًا للعمل في مهن غير مستقرة، مما يؤدي إلى نقص في المهارات والمعرفة الضرورية لتحسين أوضاعهم الاقتصادية. هذا يخلق جيلًا غير قادر على تحسين حياته أو مواجهة تحديات العصر الحديث، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الفقر.
2. إهمال الرعاية النفسية والاجتماعية
بجانب التعليم، يعاني الأطفال من نقص في الرعاية النفسية والاجتماعية. الأسرة الكبيرة التي لا تمتلك موارد كافية قد لا تكون قادرة على تقديم الدعم العاطفي والتوجيه الصحيح للأطفال، مما يعرضهم للانحراف أو الوقوع في مشاكل اجتماعية، مثل الجريمة أو الانسحاب من المجتمع.
الآثار الاجتماعية
1. ارتفاع معدلات الجريمة
في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، يجد العديد من الشباب أنفسهم مجبرين على اللجوء إلى الطرق غير الشرعية للحصول على المال. يؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات الجريمة مثل السرقة، النصب، والاحتيال. غياب التوجيه الأسري الصحيح وعدم توفير فرص عمل كافية للشباب يزيد من الضغوط النفسية والاجتماعية عليهم، مما يدفع البعض نحو الجريمة كوسيلة للخروج من الفقر.
2. المنافسة غير الصحية في سوق العمل
العقلية التي تعتمد على كثرة الإنجاب بغرض العمل على إعالة الأسرة تزيد من حدة المنافسة في سوق العمل. وفي ظل قلة الفرص المتاحة وارتفاع معدلات البطالة، يجد الأفراد أنفسهم في صراع دائم للحصول على وظائف، مما يؤدي إلى ضغوط نفسية كبيرة على الأفراد والأسر، بالإضافة إلى انتشار ظواهر سلبية مثل التحايل والنصب للحصول على فرص العمل.
ضغوط اجتماعية على الأطفال
يجد الأطفال في الأسر التي تتبنى هذه العقلية أنفسهم تحت ضغوط كبيرة منذ الصغر. يُتوقع منهم العمل وتوفير المال بدلاً من التركيز على التعليم والتمتع بطفولتهم. هذا النوع من التربية يؤدي إلى إحباط نفسي ونقص في الثقة بالنفس، حيث يشعر الطفل بأنه مجرد “وسيلة” لتحقيق أهداف الأسرة الاقتصادية.
كما أن الوالدين قد يعذبون أبناءهم بدون قصد عن طريق تحميلهم مسؤوليات كبيرة تفوق أعمارهم، سواء من حيث الاهتمام بالمستلزمات المالية أو حتى المساعدة في تسيير أمور البيت. وفي بعض الحالات، قد يُحرم الأطفال من حقوقهم الأساسية مثل اللعب والتعليم من أجل العمل في سن مبكرة.
أخطاء شائعة في العقلية المغربية
1. الاعتماد على الأبناء كمصدر دخل
إحدى أكبر الأخطاء هي رؤية الأبناء كأداة لزيادة الدخل، بدلاً من الاستثمار في مستقبلهم وتوفير بيئة تعليمية وصحية لهم. يجب أن يدرك الأهل أن الأطفال يحتاجون إلى التعليم والتطوير ليتمكنوا من تحسين حياتهم والاندماج في المجتمع بشكل إيجابي.
2. التضحية بمستقبل الأبناء
إن تفضيل بعض الأهل العمل الفوري للأبناء على تعليمهم وتطوير مهاراتهم يعد أحد أكبر الأخطاء التي تقود إلى تفاقم الفقر. التعليم هو السبيل الأساسي لتجاوز العقبات الاجتماعية والاقتصادية، ولكن مع غياب الوعي بأهمية هذا الموضوع، تستمر دورة الفقر بين الأجيال.
3. التفكير قصير المدى
التركيز على الحلول قصيرة الأمد، مثل الاعتماد على الأبناء كعُمّال لمساعدة الأسرة، بدلاً من التفكير في الحلول الطويلة الأمد مثل الاستثمار في التعليم والتدريب، يؤدي إلى استمرار الوضعية الصعبة. هذا التفكير يعزز من استدامة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية بدلاً من حلها.
الحلول الممكنة
1. تعزيز الوعي بالتخطيط الأسري
للتغلب على هذه العقلية، من الضروري تعزيز الوعي حول أهمية التخطيط الأسري وتحديد عدد الأطفال بناءً على الإمكانيات الاقتصادية للأسرة. من خلال حملات التوعية في المدارس، الإعلام، والجمعيات المحلية، يمكن تغيير العقليات تجاه الإنجاب والتأكيد على أهمية توفير بيئة صحية ومستقرة للأبناء.
2. تشجيع التعليم
يجب أن يكون التعليم أولوية قصوى لكل أسرة. من خلال الاستثمار في تعليم الأبناء، يمكن للأجيال المستقبلية تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية. كما أن الحكومة يمكنها تقديم حوافز للأسر التي تستثمر في تعليم أبنائها، مثل تقديم منح دراسية أو دعم مالي للطلاب.
3. دعم فرص العمل للشباب
على الحكومة والمؤسسات المعنية تقديم المزيد من الفرص للشباب من خلال تطوير مشاريع اقتصادية تساهم في خلق فرص عمل مستدامة. تحسين سوق العمل وتوفير تدريبات مهنية للشباب يمكن أن يقلل من الاعتماد على الحلول المؤقتة مثل العمل في سن مبكرة.
عقلية ولد 12 باش اخدمو عليا تعكس جزءًا من التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المغرب. هذه العقلية تؤدي إلى تفاقم الفقر، الجريمة، والضغوط الاجتماعية على الأفراد والأسر. من الضروري العمل على تعزيز الوعي بأهمية التعليم والتخطيط الأسري كوسيلة لتجاوز هذه العقبات، وتحقيق