“عقود البرامج بين الدولة والجهات: نصف الطريق نحو الجهوية المتقدمة”

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
“عقود البرامج بين الدولة والجهات: نصف الطريق نحو الجهوية المتقدمة”

على الرغم من مرور سنتين على إبرام عقود البرامج بين الدولة والجهات، يكشف تقرير حديث للمعهد المغربي لتحليل السياسات عن تعثر ملحوظ في تنفيذ هذه الاتفاقيات، حيث لم يتم تفعيل سوى نصفها، رغم أن القانون ينص على إنجازها خلال ثلاثة أشهر فقط. هذا التأخير لم يكن مجرد مسألة جدول زمني، بل انعكس سلبًا على المشاريع ذات الأولوية، حيث لم تتجاوز نسبة الإنجاز 9% سنة 2024، في تناقض واضح مع الطابع الاستعجالي لهذه البرامج التي تعتبر أداة أساسية لدعم مشروع الجهوية المتقدمة.

ويهدف نظام عقود البرامج إلى توحيد الرؤى بين الدولة والجهات، لضمان تنمية محلية متناسقة مع الأهداف الوطنية، لكن الواقع الميداني يظهر أن العقود لا تزال تواجه عراقيل مؤسساتية عديدة. وأوضح التقرير أن أبرز أسباب التعثر تتمثل في بطء مأسسة التعاقدات بين الدولة والجماعات الترابية، وتعقيد مساطر التأشير والرقابة، وضعف الوعي بأهمية هذه الآلية لدى بعض القطاعات الوزارية، بالإضافة إلى تأخر تعيين رؤساء التمثيليات الإدارية القطاعية، ما أضعف التنسيق مع المجالس الجهوية.

وبالرغم من أن هذه العقود تهدف إلى تقليص الفوارق المجالية، فإن الفجوة بين الجهات الأكثر استفادة وتلك الأقل حظًا ما زالت قائمة، حيث تتركز الاستثمارات في مراكز الجهات على حساب الأقاليم الهامشية، مما يهدد بتحويل تجربة الجهوية المتقدمة إلى إعادة إنتاج المركزية الجهوية بدل تفكيكها.

من جانب آخر، شهد الإنفاق الاستثماري للجهات ارتفاعًا ملحوظًا، إذ انتقل من 2.19 إلى 8.27 مليار درهم، ما ساهم في تعزيز مساهمة بعض الجهات الضعيفة مثل العيون الساقية الحمراء والداخلة-وادي الذهب في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن هذه المساهمة تبقى محدودة ولم تتجاوز 4% سنة 2022 مقابل 1% سنة 2016.

ويحذر التقرير من غياب إطار واضح لحكامة العقود، ما قد يفتح الباب لتدخلات السلطة المركزية على حساب استقلالية القرار الجهوي، مستشهداً بالتجربة الفرنسية حيث تعزز الدولة قبضتها رغم الهدف المعلن بتقوية الجهات. وفي هذا السياق، دعا المعهد إلى تعزيز الاستقلال الإداري والمالي للجهات، وتأطير المسار التعاقدي بنصوص تنظيمية ملزمة، وضمان مشاركة فعلية للمجالس الجهوية في صياغة العقود، بما يحقق التوازن بين السياسات الوطنية والخصوصيات الترابية.

ختامًا، يبدو أن نجاح الجهوية المتقدمة لا يرتبط فقط بوضع العقود، بل بكيفية تنفيذها ومأسستها، لتصبح أداة حقيقية لتقليص الفوارق وتحقيق تنمية متوازنة وشاملة على المستوى الوطني.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة