عودة الهيمنة الهادئة: هل يستعيد صلوح الجماني هندسة المشهد السياسي بالداخلة؟

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
عودة الهيمنة الهادئة: هل يستعيد صلوح الجماني هندسة المشهد السياسي بالداخلة؟

بقلم: الصغير محمد

في السياسة، لا يموت الفاعلون الكبار؛ بل يختفون مؤقتًا حين يختارون التوقيت المناسب للعودة. هذا ما يبدو أنه يحدث اليوم مع سيدي صلوح الجماني، الذي عاد للظهور في أكثر من نشاط رسمي بالجهة، في مشهد أثار تساؤلات عميقة داخل الأوساط السياسية والإعلامية: هل هي عودة بروتوكولية عابرة، أم بداية لمرحلة جديدة في إعادة تموضع الرجل داخل معادلة الحكم المحلي؟

خلال السنوات الماضية، عرف المشهد السياسي بجهة الداخلة وادي الذهب تحولات كبيرة أفرزتها دينامية الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة (الأحرار، الاستقلال، البام)، التي أزاحت الجماني ومجموعته من واجهة القرار. غير أن حضور الرجل مجددًا، في لحظة رمزية تتزامن مع احتفالات المسيرة الخضراء، يحمل أكثر من إشارة. فظهور الجماني لم يكن مجرد حضور بروتوكولي في تدشينات أو مناسبات رسمية، بل كان عودة محسوبة تُعيد إلى الأذهان ذلك الفاعل السياسي الهادئ الذي يجيد العمل من خلف الكواليس ويقرأ موازين القوى بذكاء براغماتي، معتمداً على ما يمكن وصفه بـ الهيمنة الهادئة في المشهد المحلي.

فالرجل، الذي راكم تجربة طويلة في تسيير الشأن المحلي، يعرف جيدًا أن السياسة ليست موقعًا بل موقعية؛ أي القدرة على قراءة التحولات وركوب الموجة المناسبة دون ضجيج. لذلك قد يكون ظهوره الأخير تمهيدًا لاستعادة موقعه داخل الحقل السياسي، خاصة وأن المشهد المحلي يعيش فراغًا في التوازنات بعد احتدام التنافس بين مكونات الأغلبية.

أما السؤال الأكثر عمقًا، فهو: هل يعود الجماني بنفس النسخة القديمة — المهندس الصامت الذي يتحكم في الخيوط الدقيقة — أم بنسخة جديدة متصالحة مع المرحلة، أكثر انفتاحًا وأقل صدامًا؟
الجواب سيحدده الزمن، لكن المؤشرات الأولية توحي بأن الرجل يتهيأ لمرحلة “ما بعد الإقصاء”، مستفيدًا من خبرته في بناء التحالفات ومن رصيده الاجتماعي الممتد في الداخلة، محافظًا على هيمنته الهادئة في إدارة المشهد من وراء الستار.

قد لا يصرح الجماني علنًا بنيّة العودة، لكنه يدرك أن السياسة في الجنوب ليست دائمًا ما يُقال، بل ما يُفهم بين السطور. وها هو اليوم، يعود إلى الضوء في لحظة دقيقة، وكأنه يقول لمن أزاحوه من المشهد: “أنا ما زلت هنا، وما زال للمشهد وجوهه القديمة التي تعرف كيف تُعيد ترتيب الأوراق.”

إنها، باختصار، عودة الهيمنة الهادئة إلى المشهد، عودة رجل يعرف أن السياسة ليست صراعًا على المقاعد، بل على الرمزية والتموقع في ذاكرة المكان.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة