أسئلة تناسلت بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الجزائري عقب لقائه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن والتي شكر فيها الرئيس الجزائري تبون الرئيس الروسي بوتين على مساندته لترشح الجزائر للإنضمام إلى مجموعة ” بريكس ” ، فما هي إذن مجموعة بريكس وما أهدافها ؟ و ما مصلحة الجزائر في الانضمام إليها ؟ وما التداعيات على علاقاتها مع القوى الغربية الكبرى في ظل الحرب الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا ؟ أسئلة أجاب عليها كل من د. دانيال ملحم أستاذ جامعي وخبير اقتصادي وباحث متخصص في أسواق المال، ود. ممدوح سلامة خبير اقتصادي دولي في مجال النفط والطاقة نشرت بموقع فرانس 24 في تلريخ 30/09/2022.
مجموعة بريكس BRICS.. ما هي؟
بريكس BRICS، حسب موقعها الرسمي على الإنترنت، منظمة تجمع خمسة دول هي البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب أفريقيا ، وكانت روسيا هي التي شرعت في إنشائها.
ففي 20 سبتمبر 2006 تم عقد أول اجتماع وزاري للمجموعة بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة ، كما تقرر حسب نفس المصدر خلال قمة بريكس بالبرازيل في 15-16 يوليوز 2014 ، إنشاء بنك للتنمية وتبني معاهدة لوضع احتياطي طارئ للمجموعة، التي باتت تمتلك ما مجموعه 200 مليار دولار.
وعلى هذا الأساس ، أوضح الخبير الاقتصادي د. دانيال ، بأن “البريكس هي عمليا مجموعة خمس دول ناشئة بدأت أربعة قبل انضمام جنوب أفريقيا ، هدفها بطريقة غير مباشرة منافسة مجموعة السبع التي تمثل 60 بالمئة من الثروة العالمية، فيما تمثل دول بريكس 40 بالمئة من مساحة العالم حيث إنها تضم أكبر خمس دول في العالم من حيث المساحة ، وقد أخذت البريكس اهتماما أكبر من السابق بعد الحرب الأوكرانية والتشتت الحاصل في النظام العالمي والاتجاه نحو تكتلات جيو-سياسية وجيو-اقتصادية أو جيو-استراتيجية ، برزت أهمية البريكس خصوصا بعد الاجتماع ، الذي ضم تقريبا عشرين دولة بينهم السعودية ، الجزائر، إندونيسيا، وماليزيا ، وأصبحت هذه المنظمة تضاهي وتوازي منظمات مثل مجموعتي السبع والعشرين”.
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الدولي د. ممدوح سلامة إن “مجموعة بريكس هي تسمية ملخصة لخمس دول هي الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا ، هدفها أولا وآخيرا التعاون فيما بينها ودعم السلام والأمن والتنمية الاقتصادية في العالم، خصوصا أن بينها الصين التي هي أكبر اقتصاد في العالم والهند وهي ثالث اقتصاد في العالم ثم روسيا التي هي أكبر مصدر للطاقة في العالم”.
ما هي مصلحة الجزائر في الانضمام لمجموعة بريكس؟
اعتبر د. دانيال ملحم أن “العالم يتجه نحو نوع من الشرذمة في النظام العالمي والتشتت في ظل نهاية العولمة وتحولها إلى نوع جديد يتبلور عبر تكتلات مثل تكتل آسيا الجنوبية، تكتل أوروبا، أمريكا الشمالية ، أهمية منظمة البريكس هي في كونها تضم دولا تشهد نموا مرتفعا وكبيرا مثل الصين والهند والبرازيل ومن المؤكد أنها ستضيف دولا أخرى ، دول هذه المجموعة مثل الهند ستشهد ازدهارا اقتصاديا كبيرا خلال السنوات العشر المقبلة وبالتالي فإن الطلب على مصادر الطاقة سيكون كبيرا جدا ، للجزائر مصلحة في الانضمام إلى البريكس وهناك تسهيلات تجارية واقتصادية يمكن أن تحصل عليها ، كما أن هناك حاجة لنظام مالي ونقدي جديد بعد تشتت النظام العالمي وهناك إمكانية لإصدار عملة رقمية جديدة خاصة بدول البريكس ، ما أوجب على الجزائر أن تدخل إلى هذه المجموعة للاستفادة من الميزات التجارية المستقبلية إذ إن هناك استفادة استراتيجية للتجارة والأنظمة المالية والنقدية العالمية خلال السنوات الخمسين المقبلة”.
وفي هذا الإطار كانت إشادة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بدعم الرئيس الروسي له بانضمام بلاده لمجموعة بريكس ، يأتي في وقت تتسم فيه علاقة الجزائر مع بعض الأطراف الأوروبية بالتأزم مثل الحال مع إسبانيا، فيما أن علاقتها مع فرنسا متأرجحة.
الجزائر تجد نفسها في نظام عالمي آخذ في التحول بسرعة من نظام أحادي تقوده الولايات المتحدة إلى نظام متعدد القوى تقوده الصين وروسيا ، وما أزمة أوكرانيا إلا مظهر من مظاهر هذا التحول يقول د . سلامة ، إضافة إلى ذلك تعتقد الجزائر أن لديها القدرة الاقتصادية والسياسية لأن تحول نفسها إلى أكثر من مجرد دولة مصدرة للنفط والغاز ، هناك آفاق جديدة للجزائر ومزايا كبيرة من الانضمام إلى البريكس” ، يضيف الخبير الاقتصادي الدولي د. سلامة ، “فالفائدة الأولى : هي تمكن الجزائر من توسيع قاعدتها الاقتصادية ونفوذها السياسي، في أن تكون عضوا في مجموعة تضم الصين وروسيا وتشكل 41 بالمئة من سكان العالم و24 بالمئة من الاقتصاد العالمي و16 بالمئة من التجارة العالمية ، ثم إن الصين هي أكبر مستورد للطاقة في العالم وهذا يعني أنها قادرة على استيعاب كل صادرات الجزائر من الغاز والنفط، كما أن بإمكانها أن تخصص جزءا من استثماراتها لصناعة النفط والغاز الجزائريين.
الفائدة الثانية: هي أن بإمكان الجزائر أن تبيع نفطها وغازها بعملة غير الدولار الأمريكي واليورو وأن تتحول إلى البترو-يوان الصيني في المستقبل ما سيحميها من عقوبات اقتصادية محتملة من قبل الولايات المتحدة في حال اتخذت الجزائر نهجا سياسيا لا يرضي واشنطن.
الفائدة الثالثة : أن تتعلم الجزائر من روسيا كيف تمكنت من أن تحول نفسها من مستورد رئيسي للقمح والمواد الغذائية أيام الاتحاد السوفياتي إلى أكبر مصدر لهما في العالم تحت زعامة الرئيس الروسي بوتين ، مع ازدياد الأزمة الغذائية في العالم فإن الجزائر ستستفيد في المستقبل من تأمين أمنها الغذائي وتصدير الفائض إلى العالم”.
ما تداعيات انضمام الجزائر إلى بريكس على علاقاتها مع الغرب؟
يرى الباحث المتخصص في أسواق المال د. دانيال: “لا يعني دخول الجزائر إلى البريكس أنها ستدير ظهرها لنظام الغرب ، نعرف أن العلاقات التجارية الجزائرية-الأوروبية مزدهرة خصوصا في مجال النفط والغاز إذ نرى العلاقات الجزائرية-الفرنسية التجارية لا تزال قوية، ومع إيطاليا أيضا ، الجزائر لن تدير ظهرها للدول الأوروبية والولايات المتحدة مغبة تكبد خسارة كبيرة ، فبرأي د. دانيال أن الاستراتيجية الجزائرية يجب أن تكون عدم إدارة الظهر للغرب وترك الباب مفتوحا لدول البريكس وبالتالي تبقي علاقاتها حسنة مع الجميع”.
ويقول الخبير الاقتصادي د. ممدوح سلامة: “بالطبع ستكون هناك تداعيات كبيرة على العلاقات بين الجزائر والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، لكن انضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس سيوطد مكانتها الاقتصادية والسياسية في العالم وربما يقوي وضعها السياسي مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”.