بقلم: محمد يسلم الإسماعيلي.
رغم إختتام فعالياته قبل ثلاثة أيام، لاتزال ردود الأفعال والإشادات متواصلة بخصوص ملتقى “لكلات” المنعقد نواحي أوسرد يوم 18 نونبر الماضي، بمبادرة من الخطاط ينجا رئيس جهة الداخلة واد الذهب، في إطار الاحتفالات المخلدة لذكرى عيد الإستقلال المجيد، ولما بصمت عليه التظاهرة من نجاح وإستجابة مكثفة من طرف مئات المواطنين بمختلف الأعمار والفئات، وكذا شيوخ القبائل الصحراوية والأعيان والبرلمانيين ورؤساء الجماعات والغرف المهنية من مختلف الأحزاب السياسية والحساسيات، وغيرهم من الشخصيات الوازنة التي حجت إلى عين المكان متحملة بعد المسافة وعناء الطريق بغاية المشاركة بفعاليات الملتقى الذي كان مفعما بالوطنية المغربية ومليئ بالرسائل والدلالات.
وهذا بإستحضار السياق الزمني الخاص الذي جرت خلاله التظاهرة والرمزية التاريخية لمنطقة “لكلات” بوجدان القبائل الصحراوية، والمتواجدة على بعد كليموترات قليلة من الجدار الأمني، في خطوة تروم الدحض والوقوف بوجه الإشاعات والأكاذيب التي يروج لها خصوم وأعداء الوحدة الترابية للمغرب في ظل الإنفجارات الأخيرة التي شهدتها مدينة السمارة، وإلى جانب ترسيخ وتوطيد ملتقى “لكلات” للموقف المغربي في ملف الصحراء، من خلال بعث الإشارات إلى من يهمهم الأمر، وإعطاء رسالة واضحة عن تشبث ساكنة جهة الداخلة بمغربية الصحراء، والإنخراط وراء الملك محمد السادس القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية في تدعيم المسار التنموي والسياسي والأمني وكذا الدفع بالسياسة الأطلسية للمنطقة على ضوء مضامين الخطاب الملكي السامي الأخير .
وذلك موازاة مع الدور المحوري الذي لعبه الملتقى المنظم في قلب “تيرس”، بدعوة من الخطاط ينجا وتسليطه الضوء على أحد أهم الصفحات المشرقة من تاريخ رجالات جهة الداخلة، والأمجاد والبطولات الخالدة التي سطرها مجاهدوها بصفوف المقاومة ضد الإستعمار الأجنبي، وبقصد ربط الماضي بالحاضر وإنعاش وإحياء الذاكرة بشأن محطات بارزة من الكفاح الوطني، وما خاضه شهداء لكلات من تضحيات جسيمة ودور طلائعي بصفوف المقاومة والجهاد والهزائم النكراء التي ألحقوها بالقوات الإستعمارية بفضل معارك إستبسالية ضارية، وما أدت إليه بعد ذلك من إبرام تحالف عسكري أجنبي بين الإسبان والفرنسيين، لأجل شن عملية واسعة ضد “مجاهدية” الصحراء المغربية وجيش التحرير والتي إشتهرت أنذاك باسم “أوكوفيون” أو عملية “المكنسة”.
وكلها محطات ومراحل تاريخية جسدت عمق الروابط والعلاقات الضاربة بين القبائل الصحراوية والعرش العلوي المجيد، والتي سعى المشاركون ضمن فعاليات ملتقى “لكلات” إلى تجسيد ورسم لوحاتها وتدبيج رسائلها ودلالاتها الرمزية، من خلال مستوى التنظيم والإنضباط، والإستجابة الشعبية التلقائية لدعوة الخطاط ينجا من طرف كافة الأطياف القبلية والمجتمعية بجهة الداخلة، وعبر كذلك تدشينه مركب سوسيو ثقافي، يضم قاعة للمحاضرات وكتاب قرآني، إلى جانب تدشين فضاء لعرض الصور التاريخية لملحمة المسيرة الخضراء، أُطلق عليه إسم “دار الشهداء معركة لكلات”، في رسالة بليغة إلى الرأي العام الوطني والدولي حول العلاقة الممتدة بين معركة “كدية لكلات” سنة 1957، وحدث المسيرة الخضراء سنة 1975، وأنهما محطتين منفصلتين زمانيا، لكن موحدتين رمزيا من حيث الهدف للتحرر من الإستعمار الأجنبي والوحدة الترابية للمغرب.
وهي الوحدة الوطنية والترابية التي أسهم ملتقى “لكلات” المنظم السبت الماضي، في ترسيخها وإشعاعها عبر التفاعل الواسع وتداول محتويات التظاهرة ذات الأبعاد الوحدوية المحضة، ومشاركة رواد مواقع التواصل الاجتماعي للصور والإعجاب بالمقاطع المنشورة عبر مختلف المنابر الاعلامية والصفحات الإخبارية والفيسبوكية، وسط الإشادة بفعاليات التظاهرة، وإرتفاع الأصوات بجهة الداخلة واد الذهب داخل أوساط شبابية ومحلية ومنتخبين من مختلف الأحزاب السياسية، بمواصلة وإستمرارية هذا الملتقى بعد نجاحه، وتقريره كموعد سنوي في إحياء الأمجاد والبطولات التاريخية التي خلدها شهداء لكلات سنة 1957، والعمل على جعلها حافزا ونبراسا مضيئا للأجيال القادمة من أبناء الأقاليم الصحراوية في التشبث بالقيم والمقدسات الوطنية المغربية والتعلق بأهذاب عرش الدوحة العلوية.