في السياسة، كما في الحياة، هناك لحظات صغيرة في ظاهرها، لكنها تختبر جوهر الإنسان أكثر من المنعطفات الكبرى. ليست دائماً قرارات مصيرية أو مواجهات صاخبة، أحياناً تأتي في صمت الصيف، حين يقرر مسؤول منتخب كيف وأين يقضي إجازته.
هذه الأيام… الأسابيع الماضية، اختار بعض المنتخبين من الصحراء أن يطووا خرائطهم المحلية، ويتجهوا إلى مناطق سياحية عالمية معروفة برفاهيتها وفخامتها. وجهات يقصدها عادة نجوم الفن والرياضة وكبار رجال الأعمال، حيث الرفاهية والخدمات الرفيعة تتصدر كل شيء، ويجتمع فيها الجمال الطبيعي مع أفضل ما يمكن أن يقدمه البشر من وسائل ترفيه.
قد يبدو الأمر طبيعياً في زمن العولمة وسهولة السفر، لكن السؤال الحقيقي يتجاوز الفخامة والترف: ماذا يعني أن يغادر المنتخب أرضه في عزّ الصيف، بينما هناك ملفات معقدة ومطالب اجتماعية واقتصادية تنتظر متابعتهم عن قرب؟
على الجانب الآخر، هناك من اختار أن يكون قريباً من جذوره، في رحاب البيئة المحلية، يتنفس هواءها ويشاهد شواطئها ويقضي أوقات فراغه وسط بساطتها وصدقها. هناك حيث البساطة ليست نقصاً، بل فضيلة، حيث العطلة تتحول إلى رسالة دعم واعتزاز بما تملكه الأرض من إمكانيات وجمال ينتظر الاستثمار والتطوير.
الفرق ليس فقط في المكان، بل في الوعي بالرسالة. فالمنتخب، بخلاف المواطن العادي، يحمل في جيبه أمانة ثقيلة: هو صوت الناس وممثل تطلعاتهم. هذه الأمانة لا تتوقف مع إغلاق أبواب المكاتب، ولا تغيب مع غروب الشمس في منتجع بعيد. بل هي تظل رفيقة في كل تفاصيل الحياة، الصغيرة منها والكبيرة، التي يراها الناس انعكاساً لأولويات من اختاروه.
حين يحول المنتخب عطلته إلى دعم رمزي لما يمثله، يصبح سفره امتداداً لمسؤوليته. أما إذا ابتعد بكل جسده وروحه عن كل ما يرمز إلى منطقته، فإنه قد يعود محملاً بفجوة أكبر بينه وبين من أوصلوه لمنصبه.
في النهاية، الفرق بين السياسي والسائح، هو أن السياسي يحمل وطنه وأمانته معه، لا يتركهما خلفه مهما ابتعد.