في تقرير تحليلي مطوّل، كشفت مجلة وورلد بريس ريفيو الأمريكية عن تحوّل استراتيجي غير مسبوق في العقيدة الدبلوماسية للمغرب بخصوص ملف الصحراء، حيث لم تعد المواجهة تدار فقط بالتحالفات السياسية والخطابات القانونية، بل انتقلت إلى ساحة أكثر تأثيراً: ساحة الاقتصاد والتنمية.
فالمغرب، وفق التقرير، أدرك أن تثبيت السيادة لا يتحقق بالشعارات وحدها، وإنما بالحقائق الملموسة على الأرض: مشاريع كبرى، بنية تحتية متطورة، وفرص استثمارية تعيد رسم صورة الصحراء كقطب اقتصادي صاعد. وقد شكل اعتراف الولايات المتحدة، في 10 دجنبر 2020، بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية نقطة الانطلاق لهذا النهج الجديد، الذي حوّل الدبلوماسية المغربية إلى هجومية وذكية في آن واحد.
المجلة ذكّرت بإطلاق الملك محمد السادس، سنة 2015 من مدينة العيون، النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية بميزانية بلغت 77 مليار درهم، وهو مشروع ضخم يضع الصحراء على سكة التحول إلى منطقة اقتصادية عالمية. وفي صدارة هذه المشاريع يبرز ميناء الداخلة الأطلسي، الذي اعتبره الدبلوماسي المغربي السابق محمد لوليشكي رسالة جيو-اقتصادية للعالم بأن الصحراء لم تعد “منطقة نزاع” بل فضاء استثماري واعد.
هذا الخيار الاستراتيجي سرعان ما انعكس في مواقف دول كبرى:
بريطانيا ربطت دعمها لمبادرة الحكم الذاتي بفرص اقتصادية ضخمة لشركاتها.
فرنسا، على لسان الرئيس إيمانويل ماكرون مطلع 2024، وصفت تنمية الأقاليم الجنوبية بأنها “خيار حتمي” وأكدت التزامها بالاستثمار فيه.
الولايات المتحدة واصلت ضخ التمويلات والمشاريع الاستثمارية لتعزيز هذا المسار.
ورغم محاولات جبهة البوليساريو وحلفائها التشويش على هذه الدينامية عبر تهديد الشركات الأوروبية بالملاحقات أو حتى الإرهاب، فإن الوقائع الميدانية أثبتت العكس: مستثمرون عالميون يفتتحون مكاتبهم في العيون والداخلة، غير آبهين بتلك التهديدات.
لتخلص المجلة إلى أن المغرب بصدد إعادة صياغة ميزان القوى في شمال إفريقيا: ففي الوقت الذي لا تزال فيه الجزائر أسيرة خطاب سياسي أمني متجاوز، تمضي الرباط بخطى ثابتة في دمج الصحراء ضمن الاقتصادين الوطني والعالمي. ومع هذا الواقع الجديد، يصبح الحديث عن “مناطق متنازع عليها” أقرب إلى الوهم.
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الاقتصاد هو سلاح المغرب الجديد: يخاطب مصالح القوى الكبرى، يضمن الاستقرار الإقليمي، ويجعل من مقترح الحكم الذاتي الحل الأكثر واقعية وعقلانية لإنهاء النزاع المفتعل.