في لحظة سياسية حافلة بإعادة التشكل والتقاطعات الحزبية المتسارعة، برز من جديد اسم الحاج صلوح الجماني، أحد الأسماء السياسية الوازنة التي ارتبط حضورها القوي بالمشهد المحلي والجهوي في الداخلة وادي الذهب. فقد شكّل حضوره المتميّز في دورة المجلس الوطني لحزب الحركة الشعبية مناسبة ذات دلالات سياسية عميقة، خاصة وهو يجالس قيادات الحزب البارزة، في مقدمتهم الأمين العام امحند العنصر وعضو المكتب السياسي السيدة حليمة العسالي، في لقاء سياسي أُحيط بروح التشاور والانفتاح، وكأن لسان حاله يقول: إن ما كان من صمت، قد آن أوان كسره.
الجماني يعود من بوابة الحركة الشعبية
اختار الحاج صلوح الجماني أن تكون عودته إلى قلب النقاش الحزبي من بوابة حزب له امتداد تاريخي ومجتمعي، ويتميّز بمرونة خطابية وقدرة على التكيّف مع متغيرات الحقل السياسي. وتُقرأ هذه الخطوة، في نظر العديد من المراقبين، على أنها بداية لنسج خيوط تحالفات جديدة تستشرف أفق الاستحقاقات المقبلة، خاصة في جهة ما تزال خارطتها الحزبية مفتوحة على احتمالات شتى.
ولا يخفى أن الحركة الشعبية، التي تمتلك قاعدة انتخابية في بعض مناطق الجنوب، تبحث اليوم عن وجوه ذات شرعية محلية ومصداقية شعبية، تستطيع أن تعيد تموقع الحزب في ساحات المنافسة الجهوية، ولا شك أن الجماني بما يحمله من رصيد وتجربة، قد يكون أحد رهاناتها المستقبلية.
مرحلة جديدة… أم خطة قديمة بثوب جديد؟
هل نحن أمام إعادة تدوير لمشروع سياسي سابق، أم أمام انطلاقة جديدة قائمة على مراجعات وتقديرات استراتيجية؟ هذا هو السؤال المركزي الذي يطرحه المتتبعون. فالحاج صلوح الجماني لطالما كان فاعلًا لا يُستهان به، خصوصًا حين يتعلق الأمر بصياغة التحالفات وبناء التوازنات داخل الجهة.
لكن، ما الذي تغيّر اليوم؟ وهل تسير هذه الخطوة ضمن رؤية متكاملة تروم استعادة الدور القيادي في المشهد المحلي؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد تحرك تكتيكي يمهّد لتفاوض أوسع نطاقًا في ظل التجاذبات السياسية التي تعرفها الجهة؟
حزب الحركة الشعبية يطرق أبواب الداخلة بثقة جديدة
من زاوية الحزب، يمكن قراءة اللقاء على أنه خطوة متقدمة نحو إعادة توطين الحركة الشعبية داخل أقاليم الصحراء، وخاصة جهة الداخلة – وادي الذهب، التي تُعد من أبرز المناطق الجيوسياسية جنوب المملكة. ولا يُستبعد أن يكون هذا التقارب مدفوعًا بإرادة القيادة الحزبية في تجديد دماء التنظيم، من خلال استقطاب شخصيات لها حضور فعلي في النسيج المجتمعي والسياسي.
إن اختيار شخصية من طينة الحاج صلوح الجماني يعكس، من دون شك، وعيًا من الحزب بأهمية رهانات المرحلة، ورغبته في تمثّل تحولات الجهة ليس فقط انتخابيًا، بل أيضًا على مستوى الخطاب والسياسات العمومية المحلية.
الجماني… رجل التوازنات الجهوية؟
ما من شك أن الجماني يحظى بمكانة اعتبارية داخل الجهة، فهو ابن المنطقة، وفاعل من الميدان، ويمتلك رصيدًا اجتماعيًا وعلاقات نسجها خلال مسيرته السياسية والإدارية. وهذه المقومات تضعه في موقع متميّز يؤهّله للعب دور محوري في أي تحالف سياسي أو إعادة صياغة للتوازنات المحلية.
السؤال المطروح بقوة اليوم: هل سيكتفي بدور الوسيط بين مراكز القرار، أم أنه عازم على خوض غمار القيادة، والمنافسة على مراكز القرار الجهوي، في أفق رسم ملامح جهوية جديدة تنبثق من الواقع المحلي، لا تُفرض من خارجه؟
مشروع سياسي بصيغة الجماني؟
في نهاية المطاف، يبدو أن الجماني بصدد بعث مشروع سياسي بطموح جديد، يتأسس على مبدأ الانفتاح والتنسيق مع الفاعلين الحزبيين ذوي المصداقية الوطنية. وهو بذلك لا يسعى فقط إلى الحضور الرمزي، بل إلى بلورة رؤية تستجيب لتحديات الجهة، وتُعيد للفاعل المحلي وزنه في صناعة القرار.
إننا أمام دينامية صاعدة، قد تحمل في طياتها ملامح إعادة تشكل حقيقية للمشهد السياسي في الداخلة، يكون فيها الجماني أحد أعمدتها، ليس من موقع التنافس فقط، بل من موقع القيادة وصياغة الخيارات الكبرى.
خاتمة:
سواء كانت تحركات الحاج صلوح الجماني بداية لمرحلة جديدة أو عودة محسوبة على ضوء تجارب الماضي، فإن الثابت هو أن اسمه لم يبرح خانة الفاعلين الاستراتيجيين في جهة الداخلة وادي الذهب. وسيكون من التسرّع اختزال تحرّكاته في قراءة سطحية. فالرجل، بحنكته وتاريخه، يُدرك جيدًا أن السياسة تُمارَس بالبصيرة لا بالاندفاع، وأن التوقيت جزء من المعادلة.
بقلم: الصغير محمد – جريدة الساحل بريس