بقلم : سيدي حمو
دكتور في العلوم القانونية
عضو منتدى الباحثين بوزارة الاقتصاد والمالية
طيلة أسبوع كامل انعقدت بالمغرب الأشغال السنوية لاجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لأول مرة في القارة الإفريقية منذ خمسين عاما باعتبارها شريك أساسي في إعداد الحلول للتحديات المالية العالمية ونموذجا للأسواق الصاعدة التي يجب تطويرها لمواكبة الشركات الناشئة في مختلف المجالات.
حدث سنوي يلتقي فيه وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من 190 دولة كما يلتئم خلاله اقتصاديون وخبراء ماليون من مختلف بقاع العالم لتدارس سياسات التمويل والنمو الاقتصادي والتغير المناخي وسبل الحفاظ على مكتسبات التنمية في ظل الأزمات الناتجة عن الحروب وتغير المناخ والكوارث الطبيعية والأوبئة.
فقد أعقب الحدث مباشرة فاجعة الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز ومآسي إعصار دانييال وقبل ذلك التداعيات المتعددة الأبعاد للحرب الدائرة في أوكرانيا التي تلت حقبة التعافي من وباء كوفيد 19 واليوم يتزامن الحدث مع التصعيد الغير مسبوق في قطاع غزة، فلا مناص من التفكير في سبل دعم البلدان المتضررة أثناء الحروب والأزمات.
الملتقى العالمي تخللته العديد من الفعاليات وتميز بتنامي النقاش وتعدد الرؤى بشأن التمويل وبناء القدرات وتأهيل اقتصاديات الدول النامية مع التركيز على الرأسمال البشري وأهمية الاستثمار فيه عبر خلق المزيد من الوظائف، ذلك أن البلدان النامية تضم 84% من قوة العمل العالمية وهي نسبة مرشحة للارتفاع . فعلى سبيل المثال، بحلول عام 2040 يجب أن توفر أفريقيا مليوني فرصة عمل شهريًا لتلبية احتياجات القوى العاملة. والمؤسف أن الكثير من العمال هناك يؤدون وظائف منخفضة القيمة ويفتقرون إلى الأمن المالي والوظيفي لذلك يُعد التعاون بين الحكومات ومؤسسات الأعمال وقطاع التنمية أمرًا بالغ الأهمية لخلق فرص عمل آمنة وعالية الإنتاجية.
والتركيز هنا على الحلول العملية لأن الاستثمار في رأس المال البشري يقوم أساسا على التأمين الصحي وتزويد العمالة بالمعارف والمهارات لتتمكن من ولوج وظائف اليوم وخلق فرص عمل للمستقبل على نحو يحقق ريادة الأعمال بصورة شاملة للجميع.
وأما الهشاشة ومحاربة الفقر فإن خطة النمو الغني بفرص العمل هي الحل الأمثل للفقر بنظر البنك الدولي، ويعمل لهذه الغاية على توفير الدعم المالي للدول والاستثمار في القطاعات الاجتماعية (الصحة والتعليم)، وتطوير البنية التحتية، والحصول على الخدمات الأساسية. ويعتبر برنامج الشراكة العالمية للتعليم الرامي إلى تحسين فرص الحصول على التعليم الجيد في البلدان المنخفضة الدخل من البرامج الموجهة والمنفذة لمعالجة تحديات الفقر. هذا ويقوم البنك بتقديم المشورة في مجال السياسات والمساعدة الفنية للحكومات لمساعدتها على تصميم وتنفيذ استراتيجيات الحد من الفقر.
وضمن مقاربة النوع لا بد من مراعاة مسألة دعم الابتكار والتمويل والعمل الجماعي من أجل المساواة بين الجنسين فلا تخفى أهمية إشراك النساء في القيادة وتمكينهم اقتصاديا لصناعة التغيير في القطاعين العام والخاص.
وفي خضم حالة من عدم اليقين الاقتصادي أصبحت الحاجة إلى التمويل العالمي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة أكثرَ أهمية، فلا يتدفق إلى الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية سوى النزر القليل من إجمالي رأس المال الذي تحتفظ به المؤسسات المالية الخاصة، علما أن البنوك العالمية والمؤسسات الاستثمارية ومديرو الأصول يديرون أكثر من 400 تريليون دولار من الأصول وهو رقم يعادل أضعاف رأسمال بنوك التنمية العالمية مجتمعة. وهذا مأزق يدفع في كل وقت مؤسسة التمويل الدولية وغيرها من كبار المستثمرين العالميين إلى البحث عن الشراكات الناجحة والطرق المبتكرة لضخ رؤوس أموال جديدة من القطاع الخاص في البلدان التي هي في أمس الحاجة إليها دون أن ننسى تعزيز القدرة على الصمود في مواجهة مخاطر الديون عبر تحسين سياسة الإنفاق وتعبئة الإيرادات المالية.
وعلى مستوى التحول الرقمي فإن ما يقارب 3 مليارات شخص إلى غاية سنة 2022 لا يزالون غير متصلين بالإنترنت 2022 ولا يزال 1.4 مليار شخص لا يمتلكون حسابات مصرفية والسواد الأعظم من هؤلاء يعيشون في البلدان النامية. لذلك يتطلب تسريع وتيرة الرقمنة مزيدًا من الاستثمار والابتكار وإقامة الشراكات من جانب القطاعين العام والخاص. ومن شأن تعزيز الاتصال بخدمات النطاق العريض والبنية التحتية الرقمية العامة والمهارات الرقمية أن يتيح للأجيال القادمة القدرة على المشاركة الكاملة في الاقتصاد العالمي مع الأخذ في الحسبان مساوئ الأمن السيبراني.
وفيما يتعلق بالتغير المناخي تم التطرق إلى ما نجح من التجارب في الكشف عن الانبعاثات الكربونية والحاجة إلى خفضها على مستوى كل بلد وكيف يتم توسيع العمل المناخي من أجل الحفاظ على كوكب صالح للعيش عن طريق القضاء على الهشاشة ونقص الغذاء وتوفير مياه الشرب والتشارك في الرخاء والازدهار.
وانسجاما مع التوجهات السابقة بنت السياسات العمومية بالمغرب في العقدين الأخيرين مخططاتها الاقتصادية والاجتماعية على مفهوم الدولة الاجتماعية من خلال التركيز على التعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية والتشغيل وضمان السكن اللائق ضمن الورش الملكي للحماية الاجتماعية.
ومن المشاريع الرائدة في هذا الصدد مخطط الهيدروجين الأخضر H2 والطاقات المتجددة قصد تسريع وتيرة النمو منخفض الانبعاثات الكربونية تماشيا مع المعايير المنبثقة عن قمم المناخ السابقة (على سبيل المثال قمة مراكش للمناخ كوب 22) وكذلك الحد من الإجهاد المائي من خلال تثمين الموارد المائية للحفاظ على هذه الثروة الحيوية فضلا عن بناء مدن المهن والكفاءات وإعطاء الانطلاقة لعلامة – صنع بالمغرب – لتشجيع الابتكار ودعم قدرات الشباب. ولاجتذاب المزيد من استثمارات القطاع الخاص أعلن مؤخرا عن الميثاق الجديد للاستثمار كنظام قانوني يقوم على التحفيز لتشجيع مناخ الأعمال.
وإسهاما من صندوق النقد والبنك الدولي في تثمين التجربة المغربية كانت الجلسة الافتتاحية لاجتماعاته السنوية مناسبة لتقديم إصدار جديد خاص بها “جهود المغرب من أجل نمو أكثر قوة وشمولا” الذي يسلط الضوء على الإصلاحات الهيكلية الجديدة الرامية إلى تحول النموذج التنموي للبلاد وجعله أكثر شمولا وتوجها نحو القطاع الخاص، والقائم على أربع مرتكزات: أولا الإصلاحات السابقة وبرنامج التغيير وثانيا تعزيز قدرة الاقتصاد الكلي على الصمود وثالثا تحقيق اقتصاد أكثر انتاجية وتنوعا ورابعا تعزيز الشمول.
وبفضل هذه الإصلاحات وكفاءة مؤسساته الاقتصادية استطاع المغرب أن يحصل على خط ائتمان مالي من طرف صندوق النقد الدولي وهو خط ائتمان وقائي يخصص للبلدان التي لديها سياسات وأطر مؤسساتية قوية.
إجمالا، يختلف مدى امتثال الخطط الوطنية لبرامج صندوق النقد والبنك الدولي وتوفير ضمانات أفضل من بلد إلى آخر. فقد بذلت بعض البلدان بالفعل جهودًا كبيرة لدمج تلك البرامج في خططها. ويمكن أن تشمل هذه الخطط تدابير مثل سياسات الحد الأدنى للأجور وإعانات البطالة والتأمين الصحي وبرامج المساعدة الاجتماعية التي تستهدف الأسر ذات الدخل المنخفض.
ومع ذلك، من المهم ملاحظة أن التحديات موجودة في تنفيذ وفعالية برامج الحماية الاجتماعية. ففي العديد من الحالات تظل التغطية والوصول محدودين، لا سيما في القطاعات غير الرسمية أو المناطق الريفية. بينما يبقى التحدي الرئيسي على مستوى التغير المناخي هو حجم التمويل الضخم المطلوب، فالأمر يتطلب بذل المزيد من الجهود العالمية المتظافرة مع نفاذ الوقت. وفي المجال الرقمي والابتكار لا تخفى أهمية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في تحقيق الشمول والادماج.