بقلم : أحمدو بمبا
يحكى أن شابا أمريكيا أراد قتل رئيس أمريكي لإثبات أنه يستطيع فعل شيء يمكن أن يتحدث عنه العالم ، كل ذلك بسبب أن زوجته أخبرته يوما أنه ليس مشهورا كفلان أو علان ..
فحاضرنا اليوم ساده المتخبطون والعبثيون واختلطت الكثير من المفاهيم وغابت عنه المعايير ، فأصبحت التفاهة التي تقدم في هذا العالم سيما على منصات التواصل الاجتماعي شهرة! ، دون وعي ان افعال وسلوكيات هؤلاء المؤثرين التي لا تحمل في ثنياها فائدة ممكنة الاستنساخ للإفادة منها او تقليدها.
فتكمن مأساة حاضرنا في سيطرة التافهين على الخريطة الاجتماعية ( وسائل التواصل الإجتماعي )، فيكفي فقط إلقاء نظرة سريعة لملاحظة النظام القائم على مكافأة الرداءة على حساب الجودة، وقس ذلك على كافة المجالات ، في السياسة والفن والإعلام وخلافه ، إذ أصبحت الوجوه المألوفة توصف بمفردات (الجهل، العشوائية، ضعف القدرات، انعدام الموهبة). وبينما يرتقي البلهاء يبقى أصحاب المواهب في الأسفل ، تكبلهم أصفاد الجهل والغفلة الراسخين في قلب المجتمع.
هذا العالم الإفتراضي يصفه الفيلسوف الفرنسي آلان دونو: “لقد تشيّدت شريحة كاملة من التافهين والجاهلين وذوي البساطة الفكرية وكل ذلك لخدمة أغراض السوق بالنهاية”.
يقدم دونو نصيحة لمن يريد النجاح في هذا العالم: “لا تقدم لنا فكرة جيدة من فضلك، فآلة إتلاف الورق ملأى بها سلفا “.
وتحت وطأة هذا الواقع تأسس نظام التفاهة في عصرنا الحالي ، شيد على الاستسهال والتقليد ، احتوت جدرانه الفرد معدوم الموهبة ، فهو الأقدر على مواكبة التسطيح، ومسايرة المعايير المتدنية المحببة للقاعدة الأكبر من الناس.
منذ فجر الحضارات القديمة ، راود الإنسان حلم الشهرة، سعى لها سيراً في طريق المجد الشائك، ظل الحلم يتناقل عبر الأجيال، يلازم شفرة الحمض النووي للبشر، إلى أن تحققت نبوءة الرسام الأمريكي “آندي وورهول” بظهور وسيط إعلامي يكفل للجميع الشهرة السريعة، خلال 15 دقيقة فقط.
لقد تكفلت وسائل التواصل الإجتماعي بالمهمة، أفسحت المجال لفيض من الشخصيات المشهورة ، عدد كبير لم يسبق للعالم الواقعي استيعابه في وقت ما من تاريخ البشرية على الأرض ، وبالطبع ينقسم صناع المحتوى لجيد ورديء ، هناك مبدعون يملكون أسباب الوقوف على المنصة لاستقبال التحية والدعم ، وهناك من ينطبق عليهم قول الفيلسوف الألماني نيتشه: “يكدرون مياههم كي تبدو عميقة” ، تلك الفئة الثانية وجدت في السهولة غايتها، لم يعد هناك جدار لتسلقه عندما اختفت المعايير التي تفاضل بين صانع المحتوى والمشاهد؛ فأضواء الشهرة والمال والعلاقات تجذب الكل ، لذلك ونظراً لسهولة تصوير فيديو وبثه عبر المنصات المختلفة، سرعان ما يتحول المتلقي لمصدر ، يمضغ الصورة التي رأها ، ثم يعيد إنتاجها مشوهة، بصورة بعيدة عن الروح الأصلية ، تبحث عن إثارة البلبلة سواء بشيء مخزٍ سينتشر كالفيروس ، أو مزاحاً سمجاً أو محتوى يفتقد كل سمات الإبداع، لكنه أثبت قدرته على البقاء والاستمرار نظراً لأنه يخاطب أصحاب المعايير المتدنية، سادة اللعبة حالياً.
يقدم الكثيرون الآن أنفسهم كصناع محتوى دون قيمة تذكر مما يقدمونه، فالمعروض يقتصر على تحريك الشفايف على أنغام مهرجان شعبي ، سطحي خالٍ من أي مظهر موسيقي –لكن هذا موضوع آخر- وهناك من يستعرض يومياته مع أسرته داخل المنزل، لا يراعي الفرق بين العام والخاص، يقدم صورة للباحث عن الشهرة والمكسب المادي الذي تخلى عن كرامته وصورته الاجتماعية نظير مئات الألاف من المتابعين ممن هم على شاكلته وينتظر بعضهم استنساخ تجربته عسى يدر هذا بعض الأموال، أو يشبع رغبتهم في الظهور واستراق أعين الناس، إلى آخر عروض التفاهة المختلفة.
الملتزمون بالمعايير الرفيعة أقصوا أو أصبح وجودهم هامشياً إلى حد ما ، إذا قارنا حجم المحتوى الجيد بالسيئ ، ومتطلبات العصر الحالي المرتبطة بالكم وسرعة إنتاج المحتوى، أفسحت المجال لغياب الإتقان وتفشي الرداءة، وحيث يظل التقييم في أيدي أناس إما مفلسين فكرياً ، أو متهكمين يساهموا بنشر المحتوى بمشاركته واستعراض أنهم أكثر علماً وأرقى ذائقة، عن جهل منهم.