المؤسسة الإعلامية و دورها في التنمية الإجتماعية للطفولة و الشباب نموذج القنوات الفضائية

هيئة التحرير9 مايو 2022آخر تحديث :
المؤسسة الإعلامية و دورها في التنمية الإجتماعية للطفولة و الشباب نموذج القنوات الفضائية

بقلم : زكرياء الراضي 

توطئة

تنبع أهمية وسائل الإعلام من كونها الأداة الرئيسة في عملية التواصل الجماهيري التي توسعت آفاقها ، و تعددت أبعادها، وتشعبت مجالاتها مع ثورة المعلومات والاتصال والتكنولوجيا الحديثة.

الأمر الذي بوأ المؤسسة الإعلامية مكانة مهمة في الاستراتيجيات والسياسات التي تستهدف تحديث المجتمعات وإعادة انبنائها لمواكبة عصر المعلومات والتطورات العالمية في كافة المجالات.. و صارت محركا مركزيا في تشكيل منظومة العلاقات الدولية سواء على المستوى الرسمي بين الحكومات والأنظمة، أو المستوى الحضاري بين الثقافات المختلفة.

و لا شك أنها  أخذت  تلعب  دورا  بارزا في عملية  التنشئة الاجتماعية  في وقتنا  الراهن    .  ومع أهمية دورها التربوي هذا إلا أنها كثيرا ما تبث رسائل مخالفة لتلك التي يتلقاها الأطفال و الشباب داخل أسرهم  فتضطرب المعايير أمام الطفل و المراهق  لتشكل بذلك مصدر تهديد للتنشئة الاجتماعية السوية.

و مرد ذلك البرامج الترفيهية السطحية التي عرفت اهتماماً متزايداً من المشاهدين الشباب والمراهقين, وخصوصاً ما تعكسه بعض الأغاني المصورة والبرامج من صور مبتذلة وهابطة تستند على الإثارة. وهذه الأشكال تستهدف الشباب  وتروم العبث بقيم وعادات وثقافة مجتمعاتهم .

فما المقصود بالمؤسسة الإعلامية أو الإعلام؟ و كيف تساهم في التنشئة الإجتماعية للطفولة و الشباب؟ و ما تعريف هذه الأخيرة قبلا؟

أ يضطلع فعلا الإعلام بالدور المنوط به من قبيل تميزه بعكس الثقافة الرشيدة و التوجه الحسن للمجتمع؟ أم يظل أداة لطمس هويته؟

ما هي خصوصيات المشهد الإعلامي المغربي؟ هل يعيش أزمة التوجيه  و الإبداع و الفعالية و التواصل اتجاه الأطفال و الشباب ؟

ما الإعلام الذي نتطلع إليه؟ و كيف السبيل إلى تطوير الخطاب الإعلامي وآلياته ووسائله بما يساعد في الحفاظ على الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع؟

.2تحديد المفاهيم

الإعلام

يعرف الدكتور احمد زهران الإعلام قائلا:

” هوعملية نشر وتقديم المعلومات الصحيحة والحقائق الواضحة، والأخبار الصادقة والموضوعات الدقيقة والوقائع المحددة، والأفكار المنطقية والآراء الراجحة للجماهير، مع ذكر مصادرها خدمة  للصالح العام. ويقوم على مخاطبة عقول الجماهير وعواطفهم السامية وعلى المناقشة والحوار والإقناع بأمانة وموضوعية”1

و غني عن البيان أن الإعلام تتعدد وسائله و يمكن أن نجمل أهمها فيما يلي:

~ و سائل الإعلام السمعية كالإذاعة

~ و سائل الإعلام البصرية كالصحافة و الكتب…

~ و سائل الإعلام السمعية البصرية, و هي لب موضوعنا , كالتلفزيون و القنوات الفضائية…

التنشئة الإجتماعية

عملية التنشئة الإجتماعية عملية يهتم بدراستها علم النفس الإجتماعي و علم نفس النمو, و علم الإجتماع و علم التربية . و يعتبرها بعض رواد علم النفس الإجتماعي محور المادة الدراسية لهذا العلم .

كما لا يخفى على أحد أن الإعلام و بالأخص وسائله السمعية البصرية – القنوات الفضائية- يساهم بدوره في التنشئة الاجتماعية للطفولة و الشباب خاصة و أن هذه الوسيلة غزت كل المنازل.

حتى أصبح – التلفزيون- يوصف  بالضيف المفروض على كل الناس.

فما المقصود بالتنشئة الإجتماعية؟

يعرف الدكتور حامد زهران التنشئة الإجتماعية بكونها:” عملية تعلم و تعليم و تربية, و تقوم على التفاعل الإجتماعي, و تهدف إلى اكتساب الفرد * طفلا , فمراهقا , فراشدا , فشيخا * سلوكا و معايير و اتجاهات مناسبة لأدوار اجتماعية معينة , تمكنه من مسايرة جماعته و التوافق الإجتماعي معها, و تكسبه الطابع الإجتماعي , و تيسر له الإندماج في الحياة الإجتماعية”2

و يعرفها شريف و شريف Sherif 1956 Sherif & قائلا:” هي عملية تحويل الكائن الحيوي  (البيولوجي) إلى كائن اجتماعي , ذلك الكائن الذي مكث في رحم الأم ينمو حيويا إلى قدر معلوم و خرج منه لا يعلم شيئا ليتلقفه ( رحم الجماعة) ينمو فيه اجتماعيا”3

فالتنشئة الاجتماعية عملية تهدف إلى دمج الفرد مع الجماعة وتكييفه مع أنماط وسلوك وأعراف وتقاليد المجتمع بشكل تدريجي وتسلسلي.

.3دور الإعلام في التنشئة الإجتماعية

تلعب المؤسسة الإعلامية المتمثلة في القنوات الفضائية دورا هاما في عملية التنشئة الإجتماعية للفرد سواء كان طفلا أو شابا أو راشدا . و تسهم وسائل الإعلام في الوحدة الثقافية و الإجتماعية , و التقريب بين فئات المجتمع , كما تسهم في عملية  النقل الثقافي بين الأجيال.

فالإعلام الناجح يروم إشباع الحاجات الإجتماعية و النفسية للأفراد تلبية لرغباتهم و تحقيقا لفائدة ملموسة في حياتهم اليومية , من قبيل الحاجة إلى المعلومات و التسلية و الترفيه و هنا نستحضر دور اللعب بالنسبة للطفل , و الحاجة إلى التزود بأخبار الساعة و انتظارات الشباب  و الرغبة في رفع مستواهم المعرفي و الثقافي, بالإضافة إلى حاجتهم الماسة في دعم الإتجاهات الإجتماعية و النفسية و تعزيز القيم و المعتقدات و التوافق مع المواقف الجديدة.

كل تلك الحاجيات تساهم في إكساب الشاب القدرة على الإندماج و الإنصهار في المجتمع و التأثير و التأثر به بفعالية تجعل منه مواطنا متزنا غير منطو أو انعزالي مما يسبب لديه العزوف عن المجتمع و الدخول في دوامة الفشل.

فمن أدوار المؤسسة الإعلامية الدور التثقيفي التربوي و التعليمي لعموم المشاهدين.

“صحيح أنه ليس من وظيفة القنوات أن تعلم أو تثقف. إنها تقدم الأخبار وتنشر المعطيات. وصحيح أن وظيفة التثقيف هي من صلاحية المدرسة والجامعة والخزانة والكتاب, إلا أنها   مقصرة في دورها, ولا تستطيع أن تلعب الحد الأدنى من ذات الدور, لأسباب يطول الحديث فيها هنا, لعل أصلها تعذر تأصيل منظومة القراءة كأداة تنمية وتطور وتغيير”.4

إلا أن من بين و ظائفها تنمية المعارف و سلوكات التفاهم و الإقتناع و تنمية الفكر الناقد. كما و يستطيع الإعلام أن يكون عونا جيدا للمعلم و التلميذ كليهما في جميع العمليات التعليمية التعلمية , مانحا فرصة للتلميذ و الطالب لتكميل النقص الحاصل لديهما و لإثراء الرصيد المعرفي و السلوكي بما يمكنهم من تبوأ مكانة المواطن الصالح .

لقد درجت كثير من القنوات الإعلامية على تقديم البرامج التعليمية و التربوية بشكل عام DISCOVERY- –

الأمريكية مثلا- الشيئ الذي ساهم في التطور التعليمي خصوصا بعدما أدخلت المعينات الديداكتيكية العصرية من أجهزة إلكترونية و حواسيب و مؤثرات سمعية بصرية, الشيء الذي فسح المجال للتعلم الذاتي.

فالإعلام عامل أساسي في القضاء على الأمية , كما و يسهم في اكمال ثقافة الذين انقطعوا عن التمدرس في سن مبكرة لظروف ما. و يعد بذلك مؤسسة تربوية مكملة لدور المدرسة.

.4مقاربة المشهد الإعلامي المغربي

إحصائيات و أرقام

انطباعات و قراءات

من المعلوم أن الطفولة و الشباب يعدان  قلب المجتمع  النابض بالحياة ، وأملها المعول عليه لتحقيق التقدم والنمو ، وللخروج من ربقة التخلف والهزيمة ، وهو الذي تعقد عليه  الآمال للمنافحة عن وطنه و منافسة  باقي الأمم في مراق  المجد والرقي ،  الأكيد أن مأساة المجتمع  ستكون جسيمة جدا عندما يساء التعامل و هذه الشريحة الاجتماعية ، وتصبح عرضة لكافة أشكال الامتهان والانتهاك والتشويه والهدر والحرمان …

و في خضم التغيرات والمستجدات التي عرفها و يعرفها الإعلام  الذي أضحى أحد أقوى

الوسائل أثراً وأكثرها فاعلية في تشكيل التوجهات، وتوجيه السلوكات ، والتأثير على البنية و الرساميل الثقافية للأفراد .

يطرح سؤال مدى مواكبة و ملاءمة  الإعلام  المغربي و التحولات المهمة التي عرفتها السا حة السياسية بالمغرب من جهة و ما تعرفه الساحة الدولية و المشهد الإعلامي العالمي من جهة تانية؟ ومدى تأثيره على المجتمع المغربي ومساهمته في التنشئة الاجتماعية؟

وكذا التساؤل عن ماهية وطبيعة التحديات والاكراهات التي تواجه هذه المؤسسة الإعلامية؟

ولاشك أن أول ما يتبادر إلى  ذهن القارئ و التمصفح  للمشهد الإعلامي بالمغرب هو مدى ارتباط السياسي بالإعلامي. ومن ثم يكون الإعلام بصفة عامة خاضعا للجهاز التابع له وتلك التبعية تكون في عمقها مؤطرة بفكر معين وبخط لايخلو من إيديولوجيات معينة.

يقول الدكتور يحيى اليحياوي في إحدى محاضراته بالرباط 2 نونبر2009 “  إن مسألة التواصل العمومي بالمغرب عصية على الاستنبات, ليس فقط باستمرار سيادة ثقافة السرية والتعتيم, ولكن أيضا بسبب التردد في استصدار قانون يضمن الحق في المعلومات, ومن خلاله وعبره الحق في الإعلام والاتصال. “6

ففي وقت يطمح فيه المجتمع المغربي إلى النموذج الإعلامي، الذي يضع حدا لاحتكار الدولة وينظم دخول الخواص واستثماراتهم و يتعاطى مع الوقائع بشكل مستقل و حيادي ، و بنوع من المهنية، نجد أن السلوك السياسي الرسمي يخلق فجوة بين ما يتطلع إليه المجتمع، و بين الشعارات المرفوعة.

وبداية لا بد من استعراض اهم مميزات المشهد الإعلامي المغربي في علاقته مع التنشئة الإجتماعية و هي قطب رحى موضوعنا, عبر قنوات  الرأي العام و المواطنة التائهة و المغيبة بين ثناياه و الثقافة المنسية.

بخصوص التنشئة الإجتماعية ودور المؤسسة الإعلامية  صلب موضوعنا أجدني أتساءل عن كمية و كيفية البرامج التي تعنى بطبيعة الحال بهذا الموضوع ” التنشئة الإجتماعية” و أقصد بها البرامج التربوية و الثقافية و التعليمية و حتى الترفيهية التي تروم إكساب الناشئة ” أطفالا أو شبابا ”  زادا معرفيا يمكنهم من الترقي التقافي و يكسبهم في ذات الوقت السلوك الإجتماعي السوي عبر استدخال تقافة المجتمع في بناء شخصيتهم.

فحين يفتح إعلامنا أبوابه المترعة  لكل الوجوه ولكل اللغات ولكل اللهجات , و لكل نفايات الآخر…

كان الأمر في البداية مقتصرا على المسلسلات المكسيكية المدبلجة باللغة العربية الفصحى ، وأصبحنا نستقبل الدراما التركية ، والهندية والكورية … وإمعانا في ضمان تواصل أكبر مع ربات البيوت الأميات القابعات في بيوتهن ، تمت الدبلجة باللهجة العامية المغربية .

الشيء الذي أفرز واقعا يتحدث عن ارتفاع نسبة العزوف عن الزواج في مقابل الحديث عن أعداد مهولة من الأطفال غير الشرعيين.

و  في جانب آخر  كلما اقتربت مواعيد الامتحانات يحلو للقناة الثانية  أن  تحتفل بالذكرى السنوية الخاصة ببرنامج اكتشاف المواهب الغنائية الشابة“استوديو 2M ” ،

ويتم الإعداد لهذه الاحتفالات السنوية بوصلات إشهارية في غاية الإثارة والجاذبية ، حيث تمتزج الألوان المثيرة ، بالموسيقى الساحرة ، وتتعانق اللقطات الحالمة ، بالتعليق المتدفق إطراء ومدحا الأمر الذي يمارس على الشباب نوعا من العنف الرمزي .

تتسرب الإغراءات الكاذبة إلى مسامع الشباب المغربي المهدور وعيا وطاقات وانتماء ، وتبدو له أحلام المال والنجومية أقرب إليه من حبل الوريد . الشيء الذي يوحي بأن التخطيط لإفشال التعليم هو الأصل وهو الواقع ، وأن الحديث عن برامج إصلاح التعليم مجرد شعارات براقة خادعة ، فكيف يمكن لهذا الطالب أن يعد للامتحانات بالجدية والصرامة اللازمتين بعدما يتم التلاعب بمشاعره وأحاسيسه ؟

كيف يمكن بعد كل ذلك أن يتفرغ للتحصيل ، وأن يستعد نفسيا لتحمل ما يتطلبه الإعداد للامتحان من جهد ، وتضحية ، وتفرغ ؟ فلا غرابة أن يتدنى مستوى التحصيل ، وترتفع نسبة الهدر المدرسي ، وتشيع  ظاهرة الغش في  الامتحانات ، و العنف والمخدرات والانحلال الخلقي في أوساط المؤسسات المدرسية والجامعية !

وهنا يطرح سؤال المسؤولية الإعلامية!

فالمفروض أن يحرص إعلامنا على توفير الحد الأدنى من شروط الاستقرار الأسري. و أن يسهم في تمتين روابط الاحترام والتواصل البناء بين أفراد الأسر عوض تفكيكها.

لأنه أمام هكذا برامج  تكرس السلوك المنحرف والتمثلات الخاطئة بخصوص المجتمع لدى الأطفال و الشباب الذين يجدون  مفارقة كبيرة بين تمثلاتهم وأحلامهم وانكسارتهم, وبين عالمهم الواقعي الذي يعيشونه , تصبح المؤسسة الإعلامية مدمرة وسلبية بشأن التوجيه البيداغوجي و التربوي الذي يجب أن يسلكه الطفل والمراهق , و يصبح عرضة  السلوك المنحرف , وممارسة العنف في شكله البسيط  خلال مرحلة الطفولة, ليصبح هذا السلوك مرشحا للتطور,و ذلك ما نقرأه على واجهات الصحف بشكل يومي.

ولعل واقع الأسر المغربية  يزيد المشكلة صعوبة  حينما لا تمنع الأسر أبناءها من مشاهدة هذه البرامج  والأفلام  , بل ولا تتدخل في انتقاء البرامج والفضائيات المناسبة, هنا تخلق الشخصية الإنفصامية لدى الطفل و الشاب بين ما يشاهده و ما يعيشه مما يؤدي إلى بروز الخلل و التناقض في السلوكات و التوجهات فأين هي المناعة التي أعدها إعلامنا ؟ فالأمر عندنا يتعلق بتلفزة سلطة تفكر نيابة عنا جميعا و تتكلم لغة لا نفهمها و لا نتكلمها.

في إشارة واضحة مفادها أن الإعلام المغربي لا يعكس انتظارات الراي العام , و الدليل على ذلك انتفاء مراكز بحث و استقصاء و قنوات تواصل.فكيف السبيل إلى إدراك انتظارات المجتمع دون قناة تواصلية.

فإعلامنا لا يدبر برامجه وفق التزاماته اتجاه الرأي العام , بل يتصرف من باب الوصاية مما يدلل أنه لم يعرف أي تغيير منذ زمن بعيد في سياسة تعامله مع آهات و زفرات المقهورين اجتماعيا.

وبالحديث عن  البرامج الدينية شبه المغيبة بالقناتين العموميتين, الرافعتين للواء المرفق العمومي  “وما قدم على أساس كونه برنامجا دعويا, لم يتجاوز الخطب المكرورة, المتضمنة لرسائل الوعظ والإرشاد, الفوقية المنحى, العمودية التوجه, الأبوية الصفة, العديمة التفاعلية, تخاطب المتلقي كما لو أنه حديث العهد بالإسلام, لا يفقه من شؤون دينه شيئا”6

إن رتابة البرامج الدعوية و طبيعتها في مقاربة المواضيع الدينية  دفعت بالعديد من المغاربة للانتقال

إلى فضائيات عربية, لتتبع برامج  أعدها دعاة أكفاء بأسلوب جذاب و مشوق يتماشى و العصر و ليس ما يبعث على الإحساس على حد تعبير الدكتور بالغمة أو الضيم.

فالبرامج الثقافية التي يعول عليها في تشكيل شخصية الأطفال و الشباب و إكسابهم عادات و تقاليد و قيم و اتجاهات تمكنهم من الإندماج اجتماعيا و هم راشدون .

نجد أن القناة الثانية لا تتوفر على برنامج ثقافي صرف , و أنا أستغرب من تمثل هذه القناة؟

هذه القناة التي ” تأسست على يد مجموعة من الأشخاص الذين يبحثون عن التواصل مع أقلية مغربية , بما أن ثلاثة أرباع برامجها تذاع باللغة الفرنسية , و هو استفزاز ثقافي ضد الشعب المغربي”8

و  هنا يطرح سؤال المواطنة, فنحن لا نتوفر على تلفزة تحترم مواطنتها وانتماءها الوطني, فهي تكرس  ثقافةالرأي الواحد و الإقصاء والعنف الرمزي, إنها تلفزة بلا ملامح وطنية, ولا أدل على ذلك من سيطرة لغة أجنبية عليها.

و يضيف البروفيسور المهدي المنجرة منتقدا عدم ملاءمة هذه القناة لوضع المغرب الإجتماعي و الثقافي قائلا” أنها تبث برامج من درجة ثالثة تطعن بشكل صريح أو ضمني في ثقافتنا و تمرر على مدار اليوم خطابات لا تعنينا في شيء .”9

فالبرنامج الثقافي الوحيد الذي أطلق بالتلفزة المغربية منذ أربع سنوات هو برنامج ” مشارف” الذي يحاول من خلاله مقدمه ردم الهوة الثقافية على حسب تعبيره بين مثقفي الشرق و الغرب.

لكن ذات البرنامج يتلقى انتقادات سافرة من جهات لا تعنيها التنمية الثقافية لشباب اليلد في شيء.

هذه الأخيرة هي “آخر المفكر فيه”, فالحقل التلفزي المغربي لا يمثل نقطة جذب للوجوه الثقافية, كونه يعيش على خلاف دائم مع الهم الثقافي, فلا ينهجس برفع المستوى الثقافي للمشاهدين.

ورغم تعدد مشاريع “الإصلاح” كإحداث الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري في المغرب المغرب بموجب الظهير الشريف رقم 212 – 02-1 والذي صدر في 31 غشت 2002

فلم تنبثق قواعد عمل جديدة. في اتجاه آخرلا يمكن إنكارمحاولة  القناتين الأولى والثانية إثارتهما

للمسالة الثقافية أو للقضية التربوية أو للقضايا السياسية والاجتماعية أو لغيرها. إلا انها ظلت موضع معالجة سطحية غير دقيقة ولا مستوفاة إلا في القليل النادر منها.

ان المشاهد المغربي  لم تعد لديه الثقة في مصداقية وسائل إعلامه المحلية لذلك تجده

يعتمد في كثير من الأحيان على وسائل الإعلام الأجنبية لاستقاء المعلومات وتتبع الأخبار والأحداث. وسلوكه هذا يعرض كثيرا من رساميله الدينية و الوطنية للخطر.

خصوصا و أن كثيرة هي القنوات الفضائية, التي  لا تراعي إلا الربح والتجارة, وفق ما تمليه  سياسة الحداثة والليبرالية المتوحشة,تبث سمومها التي تشوه سلوكات النشء، فهناك برامج بلا هدف واخرى تهدف الى الافساد ومخاطبة الغرائز والمخاطبة بلغة رخيصة جداً، تتغيا زعزعة المبادئ والقيم . الأمر الذي يؤثر في التربية و ثقافة الأفراد.

ويكفي أن نشير إلى أنك تجد فضائية إخبارية أو علمية مقابلها عشرين أو ثلاثين فضائية غنائية، إقبال هائل، فحسب الإحصائيات تجد مثلا بالنايل سات أكثر من 25% تقريبا من القنوات هي قنوات غناء ورقص مقارنة بـ5% على الهوت بيرد، يعني تصور أنه في العالم العربي عددها أكثر بكثير من العالم الغربي الذي نتهمه بالهبوط والسقوط الأخلاقي وإلى ما هنالك.

هذه القنوات ذات المضامين الترفيهية السطحية التي لاقت رواجاً كبيرا واهتماماً متزايداً من المشاهدين ، وبصفة خاصة الشباب والمراهقين وخصوصاً ما تعكسه بعض الأغاني المصورة والبرامج من صور مبتذلة وخليعة تنيني على الإثارة .

كما و أثبتت الأبحاث و الدراسات  في مجال علم نفس النمو بأن الأطفال و الشباب الذين يشاهدون أفلام الرعب والعنف والجريمة يصبح سلوكهم عدوانيا و تصبح ممارسته ضربا من ضروب تحقيق الذات و الإحساس بالرضى لاسيما وأن القنوات الفضائية السلبية منها كثيرا ما تظهر الشخص المنحل اخلاقيا و الفتاة الفاسدة القيم بمظهر القدوة التي يجب أن يحتدى به. وفي ذلك اغراء للمراهقين والمراهقات على التمرد على الاسر و دفعهم إلى تحطيم القواعد الاخلاقية.

الشيء الذي يتمثله الأطفال و الشباب صحيحا فيعكفون على ترسيخه بمداركهم , و عند أول صد لهم من طرف الكبار على سلوكهم ينشأ الصراع.

فتقود العولمة الثقافية والتغيرات الاجتماعية الكامنة في القنوات الفضائية الشباب إلى التناقض بين ما يعرفه عن ماضيه وما يشاهده في حاضره فيشعر بالدونية أمام الثقافة العالمية ، مما يخلق الشخصية المتناقضة ثقافيا وقيميا، وربما قاده ذلك إلى الانحراف والإجرام والمعاناة من المشكلات الاجتماعية والنفسية المتواصلة.

أمام هذا الإختراق الخطير لشريحة الشباب من لدن القنوات الفضائية, ومن لدن طبيعة العولمة المراد لها التكريس ما يفضي حتما إلى حالات من الانبهار, المحيلة على الاغتراب الاجتماعي بحكم محاولة الانصهار بالنموذج الغربي .

هذا المارد الذي يروم خلق مناخ ثقافي واحد , تنتقل فيه كل الرساميل و الرموز و المعارف و المنظومات لتمحو بذلك الإختلاف و الخصوصية الفكرية و الثقافية , مما يستدعي ان تهب المؤسسة الإعلامية للدفاع عن رساميلها البشرية .

و من ثمة تبرز أهمية الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسة الإعلامية في عملية البناء الثقافي والاجتماعي ، وذلك من خلال تطوير البرامج التثقيفية و التنويرية ، وفقاً لسياسة اجتماعية متكاملة تتخذ أساليب ووسائل هادفة .

لقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك مدى قوة هذه المؤسسة في التأثير الواضح على أفكار واتجاهات وسلوك الأطفال و الشباب، إذا استخدمت استخداما رشيداً و حكيما.. إذ لا يقتصر دور هذه الوسائل على مجرد عرض الآراء والأفكاربشكل سطحي متجاوز بل يتعداه إلى التأثير في الاتجاهات بتدعيمها أو تقويمها و تصحيح اعوجاجها. و بالتالي فهي تسهم في إعادة بناء الأفراد بما يمكنهم من التصدي لمسئوليات عصرهم، وبلوغ مستوى  الطموح و الآمال.

5 خاتمة

من الجدير بالذكر ان العصر الحالي احتل فيه التلفزيون و القنوات الفضائية بالخصوص مساحة كبيرة في اذهان المشاهدين واهتماماتهم،غير أن  هذه الأخيرة  سلاح دو حدين. فإذا ما راعت التواصل مع شريحة الأطفال و الشباب » التي تمر بطور التكوين و بالتالي فهي تخضع بدرجة اكبر لتأثير الرسالة الإعلامية التي تعمل علي تكوين عقولهم وإتجاهاتهم وقيمهم «  من خلال العناية بالبرامج الموجهة لهم في وسائل الإعلام المختلفة وتكثيف محتوياتها وتنويعها انعكس ذلك إيجابا على مستوى تنشئتهم الإجتماعية , و إذا ما أهملت ذلك الدورو آثرت الميل الى الربح والإكتساح و اعتمدت مقاربة نسب المشاهدات   دون تمييز للجيد و الرديء فتلك مجازفة بمستقبل الناشئة , أما إذا كانت تروم الإفساد العلني و الفاضح للقيم الإنسانية و التوابث الوطنية فنحن بلا شك سنكون أمام جيل لديه تصورات و اتجاهات تحاكي الأسلوب

الغربي تستهدفه وتحاول طمس هويته والعبث بقيم وعادات وتقاليد وثقافة مجتمعه العربي والإسلامي.

وما لم تتخذ الاحتياطات اللازمة لتطوير البرامج الإعلامية في مجتمعاتنا لمواجهة المشاكل المحلية ومواجهة مشاكل الحداثة ذاتها من خلال البرامج الإعلامية التثقيفية والمعرفية  القائمة على أسس علمية، فإن الهوة قد تتسع بين المواطن المغربي ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأسرة , المدرسة.. من جهة,

و بينه و بين إخوانه بباقي الدول العربية و الإسلامية و هذا ما تأمله الحداثة و العولمة الجارفة لباقي الثقافات.

غير أن المحافظة على الهوية والثقافة المغربية لا تعني الانطواء على الذات وإنما تعني التفاعل مع الثقافات الأخرى وأخذ ما يفيد هويتنا وثقافتنا ويدعمها في إطار التفاعل بين الثقافات والحضارات المختلفة.

إن الاعتراف بالآخر والتحاور معه ضرورة تفرضها التغيرات العالمية المتسارعة فلابد من التكامل والتفاعل بين الشعوب والثقافات ولكن لا بد من التشبت  بهويتنا وحضاراتنا وتراثنا وقيمنا.

و هنا نستحضر قولة المهاتما غاندي ” أريد أن تهب كل ثقافات الأرض قرب منزلي , بكل حرية إن

أمكن ذلك , لكني أرفض أن أنقلب من جراء رياحها العاتية”

فبالرغم من محاولات الإصلاح المتكررة للقنوات التلفزية الوطنية, هذه تغير مدير القناة و بعض أطره, و تلك تصدر قانونا, تظل ثمة أسئلة حارقة من قبيل هل تكفي تلك الإصلاحات لخلق ممارسة ﺇعلامية ذات مصداقية، تتماشى و ما ينتظره المجتمع المغربي، الذي يغط في جوف الحداثة اﻹعلامية، و له من الاختيارات و الإمكانات ما يمكنه من عقد مقارنة بين الأمس و اليوم بين الجيد و الرديء؟

كيف نحافظ على بناء عقل أطفالنا و شبابنا أمام هذا الانفجار الفضائي بما يحمي ثقافته وهويته؟

الهوامش

.1د.حامد زهران، علم النفس الاجتماعي، القاهره1970

.2د.حامد زهران، علم النفس الاجتماعي، القاهره1970

.3د.حامد زهران، علم النفس الاجتماعي، القاهره1970

.4يحيى اليحياوي الرباط, 1 فبراير 2010

2008  في الغمة التلفزية بالمغرب . يحيى اليحياوي.5

في معوقات التواصل العمومي بالمغرب. يحيى اليحياوي.6

.7″ محنة التلفزة بالمغرب ” يحيى اليحياوي.  منشورات عكاظ – الرباط –  دجنبر  1999

.8د المهدي المنجرة. قيمة القيم. ص.217

.9د المهدي المنجرة. قيمة القيم. ص.65

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة