بقلم : أحمدو بنمبا
دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة التي قادته إلى الجزائر ، إلى عقد “شراكة جديدة” مبنية على الشباب وديناميكية الجالية من أجل إحياء “قصة الحب” التي تربط فرنسا بالجزائر ، حيث أعلن ماكرون في كلمة ألقاها أمام حشد من الجالية الفرنسية، انه سيعود إلى العاصمة الجزائرية بعد زيارة وهران، وهو ما لم يكن في برنامج الزيارة، من أجل “تحية الرئيس عبد المجيد تبون ووزرائه والتوقيع على إعلان مشترك” ، وتحدثت الرئاسة الفرنسية في بيان، عن اتفاق “شراكة متجددة وملموسة وطموحة”.
وأضاف ماكرون أن العلاقات مع الجزائر “قصة لم تكن بسيطة أبدا ، لكنها قصة احترام وصداقة ونريدها أن تبقى كذلك ، وأجرؤ على القول إنها قصة حبّ” مشيرا إلى شراكة تم إنجازها “في خضم الحماسة الحالية” بعد اللقاءات المتعددة التي جرت الخميس مع تبون ووزرائه.
وأكد أنه سيعمل على “شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم” تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائري إضافي للدراسة في فرنسا ليرتفع اجمالي عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويا إلى 38 ألفا.
كما شدد دفاعه عن فكرة تسهيل حصول بعض الفئات من الجزائريين على تأشيرات فرنسية من أجل المساهمة في ظهور “جيل فرنسي جزائري جديد في الاقتصاد والفنون والسينما وغيرها”.
وبالإضافة إلى ملف الذاكرة حول الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962)، تسببت قضية التأشيرات في تعكير العلاقات بين البلدين، بعد أن خفضت باريس بنسبة 50% عدد التأشيرات الممنوحة للجزائر، مشيرة إلى عدم التعاون هذا البلد في استرجاع مواطنيه المطرودين من فرنسا.
وبحسب ماكرون فإنه ناقش خلال اللقاء مع تبون “مطولاً هذا الملف، حتى منتصف ليل” الخميس الجمعة و”كلف به وزراءه ، وبالتالي سيتقدم في الأسابيع والأشهر المقبلة”.
وإعتبر أن الهدف هو محاربة الهجرة غير الشرعية وفي نفس الوقت تسهيل الإجراءات بالنسبة لـ”مزدوجي الجنسية والفنانين والمقاولين والسياسيين الذين يعززون العلاقات الثنائية”.
كما دعا ماكرون اثر لقائه رواد أعمال جزائريين شباب إلى “هيكلة المشاريع الابتكارية”، وسيكون لبنك الاستثمار العام بي بي آي فرانس “دور رئيسي في تعزيز مشاريع الجالية” التي يتحدث أفرادها غالبًا الفرنسية والعربية والإنكليزية ولغات أخرى، وكذلك الشباب من ضفتي المتوسط يمثلون “فرصة” للبلدين.
وفي مقابل ذلك تشهد العلاقات المغربية الفرنسية توترا صامتا منذ فترة تخفيه شجرة رفض تأشيرات دخول المغاربة إلى فرنسا، ما يطرح تساؤلات عن مستقبل العلاقات بين البلدين الشريكين على أكثر من صعيد، حيث ومنذ سبتمبر 2021 ، ظهر التوتر بشكل علني بعد قرار باريس تشديد القيود على منح تأشيرات للمواطنين المغاربة، وتعزز بعدم تبادل البلدين الزيارات الدبلوماسية منذ تلك الفترة.
كما تسببت قضية التجسس بتلبد سماء العلاقات بالغيوم، حيث اتهمت صحف فرنسية الرباط في يوليو2021، باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي “بيغاسوس”.
لكن الحكومة المغربية نفت في بيان هذا الاتهام ورفعت في 28 من الشهر ذاته دعوى قضائية ضد كل من صحيفة “لوموند” وموقع “ميديا بارت” و”فرانس راديو” بتهمة التشهير.
في ظل الأزمة الصامتة بين البلدين، لم يرد ذكر فرنسا ضمن الدول الداعمة للمغرب في ملف الصحراء المغربية في خطاب الملك محمد السادس في 21 غشت الجاري ، حيث أنه ومنذ عقود يقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بالصحراء تحت سيادتها .
وعلى هذا الأساس قال الملك محمد السادس في خطاب ثورة الملك والشعب : “ننتظر من الدول التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل”.
وتابع: “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات”.
بإيجاز الحديث وتتويجا لما سبق ، مازالت لم تتمكن فرنسا إلى الآن من تحديد توجاهاتها السياسية ، وتحويل سياسة الترنح بين المغرب والجزائر ، لخطواتٍ حقيقية فيما يخص تبني موقف محدد .
من جهة أخرى فإن الاندفاع الفرنسي نحو رسم سياسة فرنسية فاعلة بين المغرب والجزائر ، سيكون العلامة الفارقة في تحديد مع من تصطف فرنسا، فإما أنها تحاول أن تجعل توجهاتها السياسية الحالية خطوطاً عريضة للتحركات الجيوسياسية المستقبلية بالمنطقة المغاربية، وهنا ستواجه عقبة الولايات المتحدة التي ترغب باستمرار توطيد علاقاتها بالمغرب ، أو ستضطر فرنسا لاتخاذ خطواتها السياسية ضمن فراغات تتمثل في عدم الإنسجام الحاصل بين دول المغرب العربي و زيادة الخلافات السياسية الحادة بينهم ، والتي كان أخرها إستقبال رئيس تونس لزعيم جبهة البوليساريو ، مما أفقد القمة المنعقدة بتونس ثقلها السياسي القوي .
وبالتأكيد تبين أن فرنسا تسارع الزمن لتوحيد أهدافها الجيوسياسية بما يتوافق مع مصالحها السياسية والإقتصادية بالمنطقة المغاربية ، ما من شأنه أن يرجح كفة الوصول إلى الهدف الاستراتيجي المهم لفرنسا للحصول على ماتريد في ظل التوترات السياسية القائمة ؟