الاقتصاد السياسي بجهة الداخلة وادي الذهب .. اقتصاد يلتهم نفسه ؟

هيئة التحرير5 أكتوبر 2022آخر تحديث :
الاقتصاد السياسي بجهة الداخلة وادي الذهب .. اقتصاد يلتهم نفسه ؟

بقلم : أحمدو بنمبا

لا يختلف إثنان أن صناديق الإقتراع أفرزت لنا ساسة ، كلفو بتسيير الشأن المحلي ، يتألّفون من نخب متداخلة في السياسة والأعمال ، هذه النخب ، قد تسبّبت بطريقة غير مباشرة في إستنزاف مقدّرات المجالس المنتخبة بل وساهمت في انهيارها ، ما قد يجعل هذه المجالس مستقبلا غير قادرة على الصمود في وجه التحدّيات المتراكمة ، بما في ذلك الأزمات التي باتت تظهر كل مرة في قطاع معين ، ما يطرح على عاتق هؤلاء الساسة والنخب ، التفكير جيدا في خلق نموذج اقتصادي جديد قائم على العدالة الاجتماعية ، يلعب دورا محوريا في ضمان تأمين الخدمات الأساسية ومعالجة الفقر واللامساواة و إرتفاع الأسعار التي باتت تجتاح المجتمع وتضرر منها المواطن ؟

لا يخفى على أحد أن ما يقع اليوم من أزمات وظواهر غير مألوفة ، قد تتحمّل نخب رجال الأعمال والسياسيين مسؤولياتها فيه و ما آلت إليه الأوضاع في جهة الداخلة وادي الذهب ، فقد تقاسموا القطاعَين العام والخاص في ما بينهم ، وأنشأوا منظومة تتيح لهم إيرادات مالية من أي نشاط اقتصادي تقريبًا ، وذلك بطبيعة الحال في ظل غياب الإصلاحات الجذرية والفورية التي من شأنها وضع خارطة طريق واضحة أو ألية للتدقيق والمحاسبة.

صحيحٌ أن التغيير السياسي والمؤسسي الواسع أمرٌ ضروري ، لكن إعادة صياغة النموذج الاقتصادي بجهة الداخلة وادي الذهب هي حاجة ملحّة بالدرجة نفسها ، حيث قد يُشكّل الإصلاح الإقتصادي والإستثماري خطوة أساسية نحو تصميم نموذج بناء لجهة واعدة بضمن توزيعًا أكثر إنصافًا للموارد.

في المقابل يرى الكثير من المتابعين للشأن العام المحلي أن كثرت الأزمات والتوترات الحاصلة في ميادين عدة ، راجعة إلى أسباب اقتصادية وسياسية على السواء ، فاقمها اتفاق الأحزاب الثلاثة المشكلة للحكومة وداخل المجالس المنتخبة ، التي كان يتوقع المواطن من خلالها أن تضع حدا للفوارق التي عمقتها السياسات التدبيرية السابقة ، إلا أن ذلك ذهب إلى عكس ما يفكر في المواطن ، الذي كان ينظر إلى حسنات الديمقراطية التوافقية بعين الرضى ، بل و يطمح للمشاركة في جميع المبادرات والسياسات العمومية على نحو يضمن له مستقبلا زاهرا ، إلا أن تلك الحسنات عمليًا قوضت عملية الحوكمة التي دشنتها النخب السياسية مؤخرا .

وفي حالة جهة الداخلة وادي الذهب تحديدًا، منح هذا التحالف والتوافق النخبة المسيرة للشأن المحلي ، أي المسؤولين السياسيين المنبثقين من صناديق الإقتراع ، وسائل شتى لتكديس الثروات على حساب السواد الأعظم من السكان ، حيث أفرز النموذج التوافقي نظام “حزب الكارتل” ، الذي يرمز إلى تكتّل يضمّ نخبًا متجابهة إيديولوجيًا ومضطرة لتقاسم السلطة مع بعضها البعض والمصالح ، وقد اعتمدت مجالسنا المنتخبة وسلطتنا السياسية بشكل مفرط على هذا النظام بعد التوافق الحكومي ، ونظرًا إلى أن المجالس المنتخبة بجهة الداخلة تضم جهات متنازعة وتمثّل أحزابًا سياسية ذات مصالح متضاربة في الأصل ، فهي لا تطبّق سياسات عامة متّسقة تصبّ في خير الجميع ، فبالرغم من الخلافات الإيديولوجية بين النخب السياسية ، إلا أنها غالبًا ما تتواطأ على نهب الإقتصاد ، وحماية الإمتيازات الاقتصادية لهم ، وتجنّب صعود منافسين جدد إلى المشهد السياسي .

وأخيرا تبقى جهة الداخلة وادي الذهب نموذجا يحتدى به في إحدى أبشع مساوئ الديمقراطية التوافقية ، والتي تتمثل في ترسيخ الهويات الطبقية ومأسستها ، وتعميق التفاوتات الاجتماعية ، والتأثير على جوانب الحياة للمواطن ، بدءًا من التمثيل السياسي والتوظيف ، ووصولًا إلى ملكية الأراضي والتعيينات والشغل وغيرها ،حيث تغذّي هذه المأسسة التنافس بين شرائح المجتمع وتكرّس تفشّي الممارسات الزبائنية ، وتعيق إمكانية كسر هذه الحلقة المفرغة ، في مشهد غريب بات معه التفكير في إيجاد نموذج إقتصادي ضروري ومؤكد !!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة