بقلم : الشيخ المامي أحمد بازيد
بعيدا عن العصبية السياسية وبعيدا عن التصنيفات الدوغمائية الحديثة وفي إطار ثقافي إنساني يهدف إلى نشر ثقافة السلم و السلام والتقارب بين شعوب العالم يشرفني أن أعيد إلى الذاكرة القصة الشهيرة بين ملك السويد و العالم الصحراوي محمد محمود التركزي (ابن التلاميذ) والتي نتج عنها احد أهم الانتاجات الأدبية ( قصيدة المؤتمر) الموجهة إلى ملك السويد ” وتعود أطوار هذه القصة إلى سنة 1888م حينما قرر ملك السويد عقد مؤتمر عالمي للعلوم المشرقية بالعاصمة ستكولهوم حيث أرسل إلى السلطان عبد الحميد الثاني طالبا منه أن يبعث إليه بوفد من أبناء العرب يسألهم عن القرآن واللغة وأشعار العرب وأن يكون الوفد برئاسة محمد محمود بن التلاميذ ، هذا الرجل الذي قدم إلى المشرق بعدما تشبع نشأ صحراويا وتشبع من علوم الشنقاطة (كان أخرهم ابن بلعمش الجكني من مدينة تيندوف الذي درس عليه علم الحديث).
كان سفير السويد في مصر الكونت كارلو لاندبرج مبعوثا من طرف الملك السويدي من أجل الإشراف على متطلبات رحلة ابن التلاميذ ونظرا لأهمية الموضوع وجديته قام السفير السويدي في مصر في ذلك الوقت بزيارة لابن التلاميذ في محل إقامته طالبا منه بإنشاء قصيدة على أسلوب القدماء، لا على أسلوب المعاصرين وقتها ، ولبى ابن التلاميذ طلب السفير مقدما له القصيدة التي تعتبر من نوادر القصائد السائرة في أواخر القرن التاسع عشر و لها دلالات تاريخية مهمة لما تحمله من حمولة ثقافية تضم القصيدة زهاء 200 بيتا.. و صفه السفير السويدي قائلا “كان رجلا عربيا قحا ··· من صميم العرب لغة وعادة ومنشأ ومسكنا “، و تعتبر القصيدة مرجعا في العلاقات العربية السويدية .
قصيدة المؤتمر: من نوادر القصائد السائرة في أواخر القرن التاسع عشر التي أهداها محمد محمود التركزي الى ملك السويد :
و لا فحل خيل اعوجي مسـوم …*… جواد معد للطراد و للغـنـم
نجائب لم ترع العروض و لا الحمـى …*… و لا الحزن و الصَّـمَّـان في جامل ضخم
إلى ملك السويد ” أسكارهم ” الشهم …*… سأرحل وفداً لا على جمل وهـم
سليل جياد سابقات إلى المدى …*… عراب أعدّت للسـروج و للُّجْـم
و لكن على نجب شياطين جِـنـة …*… تولدن لا عن طَرق صهب و لا دهـم
نجائب لم يمكن إلى العيس عزوهـا …*… و لا هن من غـر الجياد و لا البُهـم
نجائب ما القيصوم و الشيح رعيهـا …*… و لم ترع مرعى الخيل و الابل و البَهم
نجائب ما الـتـنـوم و الآء أكـلهـا …*… و تأكـل سود الصخر باللقـم و اللهـم
نجائـب لم ترتع لهـدر فـحـالة …*… و لا راعها الراعي بضرب و لا نـهـم
و لم تلف في نجد و لا في تهامة …*… مع الوحش في روض هواملها تهـمي
” أسكار ” ذا الثاني سآتيك وافِداً …*… على بابك السامي لمجمعك الضخم
نحلتك مدحي إذ علت بك همـة …*… فراسلت تبغيني لتقبـس من علمـي
و نوهت لي باسمي و ما كان خاملا …*… لتجمع بين الإسم عندك و الجسـم
فحبرت باسمي خطبة عربية …*… فسارت بها الركبان في النجد و التهـم
و ما في ملوك الروم قبلك من رجا …*… حضوري لديه لإشتهاري بالعلم
مآدب كل الناس للطعم وحده …*… و مأدُبتا ” أسكار” للعلم و الطُّـعم
دعا دعوة للعلم عمت و خصصـت …*… فأضحى بها “أسكار” يعلو على النجم
دعا الجفلى كل الأمام معممـا …*… و بالنقرى كنت المخصص بالإسـم
عن العرب العرباء آتيك نائبـا …*… و عن أمة الإسلام في العلم و الفهـم
و في اللغة الفصحى القريشية التي …*… بها أثبت القرآن في الصحف بالرسم
و لـم أعـتمـد إلا عـلى الله وحـده…*… و أبرأ ممن خاض في الغيب بالرجـم
و لـم أعـتمـد إلا عـلى الله وحـده …*… و أبرأ ممن قال في العلم بالوهـم
و لـم أعـتمـد إلا عـلى الله وحـده…*… و أبرأ ممن يدعي العلم بالزعـم