بقلم الأستاذ : احمد العهدي
مما لا يختلف حوله ٱثنان ، أو بالعبارة الطريفة لبعض الفقهاء ، و لا تتناطح حوله عنزتان ، ان الاصل في المنافسات الرياضية تشجيع الرياضيين الموهوبين ، عبر تنافس شريف ، علاوة على جعلها وسيلة للتواصل الإنساني الإيجابي بين الشعوب في اجواء سلمية ..لكن للاسف الشديد ما نراه اليوم داخل الملاعب من شغب و تخريب، و خارج الملاعب من حقد و كراهية تجاه دول أخرى ، يستوقفنا امام ظاهرة لا تمت بصلة للاهداف الرياضية النبيلة و شعار اللعب النظيف fair play .
سياق هذا الكلام التوطئة ، هو السعار و ما تغلي به منصات مواقع التواصل الاجتماعي من خطابات الحقد و الكراهية و التشفي ، تحت مسوغ المؤامرة ، او حسن النية في سوء النية من الآخر ، ٱعتقادا واهما خاطئا ان هناك حقدا دفينا في قلوب الآخرين الذين يتربصون بهم الدوائر و يصدق فيهم القول المأثور الذي يوظفه البعض عنصرية” مصائب قوم عند قوم فوائد!”..
بالامس القريب ، مع كامل الاسى الشديد و الاسى المرير ، أثار خروج آلاف من إخواننا الاشقاء الجزائريين للاحتفال بإقصاء المنتخب المغربي من بطولة كأس الأمم الإفريقية، المقامة بساحل العاج ، نسخة 2023 بعد هزيمته أمام نظيره الجنوب إفريقي في دور ثمن النهائي، وإقدام البعض على حرق القميص الوطني المغربي، اثار موجة غضب واستنكار عارمة، قبل المغاربة و ذوي الضمائر الحية الراسخين لقيم المشترك الإنساني ، من إخواننا الجزائريين الشرفاء اولا ، ممنونين لانهم الوجه الحقيقي للشعب الجزائري الشقيق ، الذي لا تحرضه ابواق كبرانات النظام العسكري الجزائري ، و لا تصطاده شباك تستره وراء الاسطوانة المشروخة لتبريرات المؤامرة الواهية، لانها فقط الشجرة التي تخفي غابة ادغال نظام لن يستقيم حكمه و هو مصاب بانيميا الطابع المدني، و هل يستقيم الظل و العود اعوج ؟!!
فعلى سبيل الذكر لا الحصر، استنكر الناشط السياسي الجزائري، شوقي بن زهرة، مشاهد احتفال الجزائريين بهزيمة المنتخب المغربي، معتبرا أن “الجزائر صارت اليوم أول بلد في التاريخ تخرج فيه الحشود للاحتفال بهزيمة منتخب كرة قدم لبلد آخر”، مذكرا إياهم بملفات كان الاجدى ان يهتموا بها و ينشغلوا بها و يشتغلوا عليها ، من قبيل ما تلقاه بلدهم من “صفعة البريكس والطوابير المليونية والأوضاع الاجتماعية الكارثية”.وشدد بن زهرة بشدة على أنه من غير المقبول و لا المعقول وصف الشعب المغربي بأوصاف عنصرية ، و أن تخرج الحشود للاحتفال بهزيمة منتخبه، معبرا عن رفضه لاختباء البعض وراء دعم جنوب أفريقيا التي أحرجت إسرائيل، في ظل غياب أي مسيرة في الواقع تدعم غزة”
و من جهته ، استنكر الناشط السياسي الجزائري، وليد كبير، بشدة و ٱمتعاض مشاهد الاحتفال وحرق القميص الوطني المغربي في الجزائر، محملا النظام العسكري الحاكم وسياسته العدائية اتجاه المغرب المسؤولية كاملة.
و اريد هنا ان افتح قوسا لاذكر ، لان الذكرى تنفع المؤمنين ، ان الجماهير المغربية خرجت بتلقائية و مشاعر صادقة تسري في الدم ، خرجت فرحا بتتويج المنتخب الجزائري بكأس أفريقيا سنة 2019 بمصر، بالرغم من أن عداء النظام العسكري للمغرب متجذر ، و معاكسته المكشوفة للوحدة الترابية للمملكة اصبح اهم اركان و مقومات رعاية الشعب الجزائري المغلوب على أمره .
الم يكن الأولى اليوم ، ليس للجزائر فقط و لكن لكل الوطن العربي، من المحيط الى الخليج ، بل في العالم الاسلامي و كل اصوات الحق في كوكبنا الازرق ، أمام المجزرةالصهيونية الوحشيةالرهيبة في حق إخواننا الفلسطينيين بغزة المجد و الشموخ ، امام انظار العالم ، بهيآته و منظماته الحقوقية ، و هو اصم و ابكم و مشلول ، لا يحرك ساكنا؟؟! أليس الأولى ان يكون خروجنا من اجل نصرة غزة ؟؟!
انا لا استثني في تناولي لهذا الموضوع / الظاهرة ، ذي الصلة ، في عمقه و جوهره ، بأزمة هوية او فراغ هوياتي ، نماذج من الشعب المغربي ، سامحها الله ، تسير في ٱتجاه إنتاج لغة خطاب عنيف مضاد، هو رد فعل و انفعال و تفاعل ، لا مبرر له ، مهما يكون حقد الآخر الذي تغذيه و تنميه ثقافة الحقد و الكراهية..فلا مبرر لنا و لا لغيرنا لان نمارس سلوكا معاديا تجاه إخواننا الاشقاء الجزائريين . لذلك و من اجل ذلك ، آثرت هذا الموضوع حتى تنخرط الضمائر الحية ، خاصة من المثقفين و اهل الإعلام و التعليم و العلماء ، و ايضا السياسيين ، في ترسيخ وعي مجتمعي راق ، يساهم في راب الصدع و لم الشمل العربي و المغاربي و الانساني، لان ما يجمعنا اقوى و اسمى مما يفرقنا..
و لكم هو جميل و رائع ان اشير ، من باب التذكير فقط ، أن باني شرفات امل المغرب الحداثي عاهلنا المفدى جلالة الملك محمد السادس ، حفظه الله و رعاه، اهاب بشعبه الوفي إلى مواصلة نهج قيم حسن الجوار مع الجارة الجزائر.و سيبقى راسخا في أذهاننا ما قاله جلالة الملك ، في خطاب العرش السامي حين أكد ، نصره الله ، أن الجزائريين سيجدوننا بجانبهم في جميع الظروف والأحوال، وشدد فيه جلالته على أنه بخصوص الادعاءات التي تتهم المغاربة بكونهم يسبون الجزائر، فإنما هي تروم إشعال نار الفتنة بين الشعبين الشقيقين.و ألح عاهلنا الكريم أن المغرب لن يسمح لأحد الإساءة “إلى أشقائناالجزائريين”، مضيفا أن المغرب حريص على الخروج من هذا الوضع.
وأضاف: “إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد، لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين، تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية، والمصير المشترك”..
نعم ، هذه هي بطاقة هوية المملكة المغربية الشريفة العريقة؛ ٱحترام حسن الجوار و نهج سياسة اليد الممدودة .
فٱبقوا، يا رعاكم الله ، من المغرب و من الجزائر ، و من كل بلدان هذا الكون الرحب الفسيح ، اوفياء لهذه القيمة و المبادئ الإنسانية الفاضلة الرفيعة السامية ، و لنجعل من الرياضة، عامة، و كرة القدم خاصة ، كرة للقيم..!
و لن اجد احسن ما اختم به من قولة معبرة رائعة لمفكر علم المستقبل و الأيقونة الفكرية المغربية المرحوم المهدي المنجرة حين قال عن الدائرة الساحرة ، كرة القدم:”أن تفوز على مصر لا يختلف أن تفوز هي.. وكذلك مع الجزائر وتونس وليبيا… فلا فائدة من كثرة الغليان والتشاحن…
فنحن جميعا متعادلون في التخلف والأمية والجهل وضعف الصحة والتعليم وانتشار البطالة وتبذير المال العام وما خفي أعظم…”
كرة القدم مجرد لعبة وليست بند من بنود التطور أو مؤشرات التنمية البشرية، المتمثلة في الصحة والتعليم وتحسين الدخل الفردي أو مستوى عيش السكان… التخلف يرى في الكرة كل شيء،وهي أصلا لا شيء”.
.