شاشا بدر
يعد التعليم ركيزة أساسية لأي مجتمع يسعى إلى التقدم والازدهار، حيث يُعتبر الاستثمار في تعليم الأجيال الجديدة استثماراً في مستقبل الوطن. إلا أن هذا التعليم، لكي يكون فعالاً وجذاباً، يجب أن يُقدّم في بيئة مناسبة تحفز الطلاب وتلبي احتياجاتهم الأساسية. في المغرب، وبينما نسمع عن مبادرات لفتح مدارس متخصصة في الريادة والابتكار بهدف تطوير مهارات التفكير الإبداعي وريادة الأعمال لدى الطلاب، فإن جزءاً كبيراً من المدارس التقليدية، خاصة في المناطق الريفية، ما زال يعاني من نقص حاد في البنية التحتية الأساسية، مثل المراحيض النظيفة، وقاعات التدريس الجيدة، والمرافق الثقافية من مسارح وقاعات موسيقى ومطالعة. في ظل هذا الواقع، يطرح السؤال نفسه: هل نحن فعلاً في حاجة إلى مدارس الريادة في هذا الوقت، أم أن هناك أولويات أخرى ينبغي التركيز عليها؟
النقص في البنية التحتية الأساسية
تعاني المدارس في العديد من المناطق المغربية، وخاصة القروية، من غياب المرافق الأساسية التي تجعل من البيئة التعليمية مكاناً مناسباً وصحياً للطلاب. فالعديد من المدارس لا تتوفر فيها مراحيض جيدة أو نظيفة، وإن توفرت فهي غالباً لا تخضع للصيانة الكافية، مما يؤثر سلباً على صحة وراحة الطلاب ويعيق تجربتهم التعليمية. إضافة إلى ذلك، يعاني الطلاب والمعلمون في هذه المناطق من عدم وجود قاعات دراسية مناسبة، حيث تكون بعض الأقسام مكتظة أو تعاني من نقص التهوية الجيدة، مما يجعل من الصعب على الطلاب التركيز أثناء الدراسة.
انعدام الأنشطة الثقافية والمرافق الإبداعية
إلى جانب النقص في البنية التحتية الأساسية، تعاني المدارس المغربية كذلك من نقص في الأنشطة الثقافية والمرافق التي تساعد الطلاب على تطوير مواهبهم ومهاراتهم خارج نطاق المنهاج الدراسي. من المعروف أن وجود مرافق مثل المسرح وقاعات الموسيقى والمطالعة يساهم في بناء شخصية متكاملة للطالب، إذ تعزز الأنشطة الثقافية من قدراته الإبداعية وتساعده على التعبير عن نفسه وتطوير ثقته. للأسف، نجد أن هذه المرافق تكاد تكون غائبة في أغلب المدارس الابتدائية والإعدادية، وحتى الثانوية. هذا النقص في الأنشطة الثقافية يحدّ من فرصة الطلاب للتعبير عن مواهبهم، ويؤدي إلى تجربة تعليمية تفتقر إلى الشمولية.
ضعف استخدام التقنيات الحديثة في التعليم
يشكل العصر الرقمي تحديات وفرصاً جديدة في قطاع التعليم. لكن في المدارس المغربية، خاصة تلك التي تقع في المناطق الريفية والنائية، يبقى استخدام التقنيات الحديثة محدوداً جداً. يعاني الكثير من الطلاب من عدم توفر أجهزة حاسوب كافية أو حتى اتصال بالإنترنت، ما يعني أنهم لا يستفيدون من الأدوات التعليمية المتاحة في العالم الرقمي. يُعتبر دمج التكنولوجيا في التعليم أمراً أساسياً في عصرنا الحالي، حيث يساعد الطلاب على اكتساب مهارات جديدة مثل البحث واستخدام البرمجيات التعليمية، إلا أن ضعف البنية التحتية يحول دون ذلك في العديد من المدارس.
هل مدارس الريادة أولوية؟
في ظل النقص الحاد في مقومات التعليم الأساسية، يبقى التساؤل حول مدى الحاجة الحقيقية إلى مدارس الريادة في الوقت الراهن. من دون شك، تُعدّ مهارات الريادة والابتكار أموراً هامة لتنمية الجيل القادم، إلا أن توفير هذه النوعية من التعليم يحتاج إلى بيئة مناسبة يمكن للطلاب من خلالها اكتساب تلك المهارات. لا يمكن الحديث عن تطوير مهارات الريادة بينما يعاني الطالب من غياب الاحتياجات الأساسية كبيئة تعليمية لائقة.
يحتاج التعليم المغربي، قبل التفكير في مدارس الريادة، إلى تركيز الجهود والموارد على تحسين البنية التحتية للمدارس وتوفير الخدمات الأساسية التي تجعل من المدرسة بيئة محفزة للطلاب. من الضروري الاستثمار في تحسين المرافق الصحية، وتوفير القاعات الدراسية الحديثة، وتطوير الأنشطة الثقافية والرياضية، وإدخال التكنولوجيا إلى العملية التعليمية. حينما تتوفر هذه العناصر الأساسية، يمكن عندها التفكير في إدخال برامج الريادة.
نحو رؤية شاملة لتحسين التعليم
لا يعني هذا بالطبع التخلي عن فكرة مدارس الريادة أو الابتكار، لكن من المهم أن تأتي كجزء من رؤية شاملة لتحسين جودة التعليم ككل. إذا أردنا تحسين التعليم في المغرب، يجب أن تكون هناك خطة وطنية واضحة تستند إلى إصلاح شامل يأخذ في الاعتبار جميع مكونات البيئة التعليمية، ويبدأ بمعالجة نقاط الضعف الأساسية. من خلال الاستثمار في المرافق الأساسية والبنية التحتية، وتطوير المناهج التعليمية لتشمل الأنشطة الثقافية والفنية، وتوفير التكنولوجيا في كل مدرسة، يصبح بالإمكان تعزيز تجربة الطالب وتوفير بيئة تعليمية متكاملة.
تعد مدارس الريادة إضافة مهمة للتعليم، لكنها ليست الأولوية في ظل الظروف الحالية التي يعاني منها العديد من الطلاب في المدارس المغربية، خاصة في المناطق النائية والريفية. إن التركيز على تحسين البنية التحتية للمدارس وتوفير المرافق الأساسية هو الخطوة الأولى التي يجب أن يتم تحقيقها لضمان بيئة تعليمية جاذبة ومحفزة. متى ما تحقق هذا الهدف، يمكن للطلاب حينها الاستفادة من برامج الريادة بشكل أفضل وأكثر فعالية، مما يساعدهم على اكتساب مهارات متميزة تؤهلهم للمساهمة في تنمية مجتمعهم وبلدهم بشكل إيجابي.