الساحل بريس
رغم الانسجام المعلن على مستوى الحكومة المركزية، يعيش المشهد السياسي بجهة الداخلة وادي الذهب توتراً متصاعداً بين حزب الاستقلال، ممثلاً في رئيس الجهة الخطاط ينجا، وحزب التجمع الوطني للأحرار، ممثلاً في البرلماني محمد لمين حرمة الله. صراع بات يأخذ طابعاً علنياً، تحركه قضايا اجتماعية، وتُغذّيه معارك جانبية، بعضها داخل المؤسسات وأخرى في الشارع والمخيمات والمصحات.
فضاءات التخييم.. نشاط تربوي في ظل حركية سياسية متزايدة
تشهد جهة الداخلة وادي الذهب خلال الموسم الصيفي تنظيم عدد من المخيمات التربوية لفائدة الأطفال واليافعين، في إطار شراكات بين جمعيات المجتمع المدني ومصالح وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بدعم من عدد من المتدخلين المؤسساتيين والخواص.
وقد حظيت هذه المخيمات باهتمام لافت من مختلف الفاعلين المحليين، سواء من حيث الدعم اللوجستيكي والتنظيمي أو من خلال الحضور الميداني المواكب. ورافق هذا الحراك التربوي تغطية إعلامية واسعة، عكست حجم التفاعل المجتمعي مع هذه الأنشطة ذات البعد التكويني والترفيهي.
لكن هذا الزخم لم يَخلُ من قراءات متقاطعة، بالنظر إلى تزامنه مع أجواء سياسية محلية مشحونة، حيث رأى بعض المراقبين أن تصاعد وتيرة الحضور المؤسساتي والتفاعلات المحيطة ببعض المبادرات المرتبطة بالتخييم، يأتي في سياق تنافسي أوسع بين عدد من الفاعلين، مما أضفى على هذا النشاط طابعاً يتجاوز أحياناً حدوده التربوية الصرفة.
ورغم ذلك، يبقى التخييم نشاطًا استراتيجياً في مسار تنمية الطفولة، ويتطلب توفير الدعم والتأطير بعيدًا عن أي اعتبارات جانبية قد تحجب مضمونه التربوي وأثره المجتمعي.
حريق المستشفى وبيان أكديطال.. بين الفعل الإنساني والتأويل
تفاقم الجدل بعد حادث الحريق الذي شبّ بمستشفى الحسن الثاني، والذي استدعى نقل عدد من المرضى إلى مصحة أكديطال الخاصة. سرعان ما انتشرت روايات تتحدث عن تدخل مباشر لرئيس الجهة وتكفله بمصاريف علاج المرضى، ما اعتُبر خطوة إنسانية ذات بعد تضامني.
لكن الرواية لم تمر دون تشكيك، إذ نفت أطراف أخرى أي صلة لرئيس الجهة بهذا التكفل، فيما تداولت وسائل إعلام بيانا منسوبا لإدارة المصحة يؤكد الرواية الأولى. غير أن البيان لم يظهر على أي منصة رسمية للمؤسسة الصحية، ولم تُصدر توضيحًا رسميًا بشأنه، مما زاد الغموض، وأفسح المجال أمام حرب تأويلات غذّتها صفحات محلية ونشطاء على مواقع التواصل.
وسط هذا التضارب، يظل المواطن هو الحلقة الأضعف، بين تضارب المعطيات وتعدد المصادر، دون وجود خطاب رسمي موحد يضع النقاط على الحروف.
إلى أين يتجه هذا الاحتقان؟
المشهد الحالي يطرح علامات استفهام حول مستقبل التحالفات الجهوية، وحول ما إذا كان ما نعيشه هو مجرد “اختلاف طبيعي في الرؤى”، أم أننا بالفعل أمام معركة انتخابية بدأت قبل أوانها.
ورغم أن بعض المبادرات تندرج ضمن الاختصاص المؤسساتي الطبيعي، إلا أن تزامنها مع توتر الخطاب السياسي يجعلها محط نقاش دائم وتأويلات قد تُفقدها مضمونها الحقيقي.
الخلاصة.. بين مسؤولية الفعل وواجب الوضوح
ما تشهده جهة الداخلة وادي الذهب اليوم من تداخل بين الشأن الاجتماعي والحركية السياسية، يفرض على مختلف الفاعلين الالتزام بقدر عالٍ من المسؤولية والتوازن. فحين تتقاطع المبادرات الميدانية مع لحظة سياسية دقيقة، يصبح الوضوح والشفافية واجبًا، لا خيارًا، درءًا لكل تأويل أو استغلال محتمل.
إن قوة المؤسسات لا تُقاس فقط بما تُنجزه، بل بكيفية تواصلها مع المواطن، وبقدرتها على ترسيخ الثقة عبر مواقف واضحة، بعيدًا عن الضبابية التي تفتح الباب أمام التوجّس والتشكيك.
وفي النهاية، لا يمكن لأي مشروع تنموي أو مبادرة اجتماعية أن تحقق أثرها الحقيقي ما لم تكن مؤطرة بمناخ سياسي متوازن، يحترم ذكاء المواطن، ويقدّر أهمية الوضوح المؤسساتي. فالتنمية ليست مجرد أرقام ، بل هي منظومة متكاملة تقوم على الانصات، والتخطيط، والشفافية، والمساءلة.
كما أن التنافس بين الفاعلين، مهما بلغت حدّته، يظل مشروعًا ما دام محكومًا بأخلاقيات العمل العمومي، وبروح المسؤولية المشتركة تجاه الساكنة. فالداخلة اليوم أمام لحظة دقيقة، تتطلب من الجميع التحلي بالنضج السياسي، والانخراط في بناء مشهد محلي متماسك، تكون فيه المصلحة العامة هي البوصلة الوحيدة.