في الدورة الأخيرة لمجلس مجموعة الجماعات الترابية بالداخلة، ارتفعت الأصوات التي تدافع بحرارة عن حق الشباب في الشغل، وكأننا أمام اكتشاف جديد لأزمة تخنق أبناء المدينة منذ سنوات. خطاب جميل في ظاهره، لكنه سرعان ما يفقد وجاهته حين نتمعن في هوية المتحدثين ودورهم الحقيقي.
فالذين تصدروا النقاش داخل المجلس ليسوا فاعلين حقوقيين ولا مواطنين غيورين فقط، بل هم منتخبون أصليون في جماعاتهم بل ورؤساء، يتحكمون في ميزانيات عمومية، ويوقعون على صفقات، ويشرفون على تدبير قطاعات وخدمات. والبعض الآخر من أعضاء مجلس مجموعة الجماعات الترابية يملك شركات ومقاولات ومقالع ومشاريع فلاحية وبحرية، ويستطيع لو أراد أن يفتح عشرات فرص الشغل دون انتظار مجلس جديد ولا دورة استثنائية.
فكيف يتحول أصحاب القرار والميزانيات إلى طرف يشتكي بدل أن يشغل؟
كيف يصبح المنتخب الذي يدير مؤسسة جماعية ومسؤولًا عن مئات الملايين من الدراهم، مجرد معلق سياسي يلقي التهم على مجلس حديث الولادة لم يتجاوز شهره الأول في العمل الفعلي؟
من غير المقبول أن يتم تصدير المشكل نحو مؤسسة في بداياتها، بينما الجالسون حول الطاولة يديرون جماعات منذ سنوات، ويمتلكون أدوات التوظيف والتحفيز والتكوين داخل ترابهم الجماعي.
إذا كان التشغيل أولوية، فهو يبدأ من جماعاتكم التي ترأسونها، لا من مجلس لم تُجف بعد أحبار قراراته الأولى.
الساكنة تعرف جيدًا تاريخ هؤلاء المنتخبين، وتعرف كم مرة سمعوا وعود التشغيل في الحملات الانتخابية، وكم مرة تلاشت تلك الوعود بعد الفوز بالمقاعد والمناصب. يعرفون من وفر فعلا فرصًا، ومن أغلق أبواب جماعته في وجه أبناء المنطقة، مكتفيًا بخطابات ودورات واجتماعات لا تخلق وظيفة واحدة.
أما التذرع بـ “ضعف الميزانيات”، فحجة مستهلكة. فالمسؤولية ليست أرقاما فقط، بل رؤية وقدرة على تدبير المجال وخلق المبادرات والشراكات واستثمار الإمكانات المتاحة.
المشكل ليس في المال فقط، بل في الإرادة السياسية، وفي من يعتبر المنصب منصة لا أداة خدمة.
ويبقى السؤال الذي لم يُطرح داخل القاعة، لكنه حاضر في أذهان المواطنين:
كم شابًا استفاد من فرص الشغل داخل جماعاتكم؟ كم منصبًا تم فتحه؟ كم مبادرة لدمج شباب المنطقة رأت النور؟
اليوم، لم يعد الناس يقبلون الخطابة والظهور الإعلامي، ولا التصفيق للحديث العاطفي.
من يريد الحديث عن التشغيل، فليبدأ أولًا بتشغيل أبناء مدينته من موقع مسؤوليته، لا من مقعد المتفرج الذي يوزع اللوم.













