“حين يترك الآباء أبناءهم للشارع… ويُحاصرون المعلّم داخل قسمه”

هيئة التحريرمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
“حين يترك الآباء أبناءهم للشارع… ويُحاصرون المعلّم داخل قسمه”

ثمة مفارقة صادمة تتكرر يوميًا أمام المدارس الواقعة بحي النهضة 99 في الداخلة شمال الطريق المزدوج ، أطفال لم يتجاوز بعضهم التاسعة يقطعون الطريق المزدوج بمفردهم، بين شاحنات مسرعة ودراجات لا تكترث بوجود أجساد صغيرة تتعلم المشي إلى المدرسة قبل أن تتعلم مواجهة الشارع.
مشهد لا يحتاج إلى الكثير من التحليل؛ فهو يختصر بؤس علاقة بعض أولياء الأمور بمسؤولياتهم. يرسلون أبناءهم نحو الشارع وكأنهم يرسلون رسالة قصيرة عبر الهاتف: تُضغط وتُرسل، ثم يُنسى مصيرها. عبارة “راه كيمشي بوحدو” أصبحت رخصة اجتماعية للتخلي، لا تعبيرًا عن الثقة بقدرات الطفل.

المفارقة العجيبة أن هؤلاء أنفسهم يتحوّلون، عندما يتعلق الأمر بالمدرسة، إلى جنود مرابطين على الأبواب، يترصدون أي حركة من الأستاذ، أي نبرة حزم في القسم، أي محاولة لضبط الفوضى، وكأن المعلم هو الخطر الحقيقي على الطفل، لا الشاحنات المسرعة التي تفصل بينه وبين الضفة الأخرى من الطريق.

في لحظة، يصبح التلميذ “ضحية” والأستاذ “جلادًا”. لا أحد يسأل كيف سيكتسب الطفل معنى الانضباط إذا كان والده يقف في صفه حتى عندما يتجاوز حدوده؟ ولا أحد يتساءل كيف يمكن لأسرة تُهمل سلامة ابنها في الطريق أن تُقنعنا بأنها تحميه داخل الفصل؟

الطفل — وهذا ما يغيب عن الكثيرين — يبدأ مسار التربية قبل أن يدخل المؤسسة التعليمية. يبدأ من البيت، من يدٍ تمسك به وهو يعبر الشارع، ومن عينٍ تراقبه لا لأنه ضعيف، بل لأنه يستحق رعاية. فإذا خرج من باب المدرسة، فالمسؤولية تنتقل إلى الوالدين، لا إلى الأستاذ الذي أدى واجبه داخل القسم.

إن تعليق الأزمة على شماعة “المعلم” صار أسهل من الاعتراف بأن جزءًا من المشكلة يبدأ من داخل الأسرة. فبدل الوقوف بالساعات أمام المؤسسات بحثًا عن لحظة لمحاسبة أستاذ مارس صلاحياته في تربية وتعليم، لِمَ لا يُوجَّه ذلك الجهد نحو مراقبة الأبناء وهم يواجهون الشارع؟ لِمَ لا يُستثمر في تعليم الأطفال كيف يعبرون الطريق، كما يتعلمون مهارات الحياة داخل الفصل؟

إن حماية الأبناء ليست مهمة ظرفية، ولا تنتقي ساحات مريحة. تبدأ من المنزل وتستمر خارجه، وهي مسؤولية لا يصلح معها منطق الانتقائية: التشدد مع المعلم… والتسيب مع الشارع.

ولعل السؤال الأهم اليوم هو:
هل نريد جيلاً قويًا ومسؤولًا… أم جيلاً نُدلّله داخل القسم ونتركه يواجه الموت على قارعة الطريق؟

إن المجتمع الذي لا يحمي أبناءه خارج المدرسة، ولا يحترم المعلم داخلها، يخلّ بالتوازن التربوي من أساسه. والمسؤولية هنا واضحة: قبل أن نحاسب الأستاذ، يجب أن نحاسب أنفسنا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة