مع صافرة انطلاق كأس الأمم الأفريقية 2025 على أرض المغرب، لا تنطلق مجرد بطولة رياضية، بل أولى مراحل استراتيجية طموحة تهدف إلى تحويل كرة القدم من منافسة إلى رافعة اقتصادية، وسياحية، وتنموية، تمهد الطريق لمونديال 2030.
المغرب، الذي يستهل البطولة بمواجهة جزر القمر على أرضية مركب الأمير مولاي عبد الله بالرباط، لا يراهن هذه المرة على اللقب الغائب منذ 1976 فحسب، بل على تعزيز موقعه كقوة تنظيمية ورياضية واقتصادية في القارة، وكشريك موثوق على المستوى الدولي.
تنظيم النسخة الخامسة والثلاثين من البطولة في تسعة ملاعب بست مدن، وبمشاركة 24 منتخباً، يعكس تحوّلاً نوعياً في مقاربة المغرب للأحداث الكبرى. واعتماد الاتحاد الأفريقي لكرة القدم تنظيم البطولة كل أربع سنوات مستقبلاً يمنح هذه النسخة قيمة رمزية مضاعفة، كونها لحظة مفصلية في تاريخ المسابقة.
مع مشاركة خمس منتخبات عربية إلى جانب كبار القارة، تتحول الملاعب المغربية إلى واجهة أفريقية مفتوحة على العالم، في وقت تتابع فيه وسائل الإعلام الدولية عشرات الدول.
على عكس الخطاب المشكك الذي يرافق عادة استضافة التظاهرات الكبرى في دول الجنوب، يقدّم المغرب نموذجاً مختلفاً. فقد تم استثمار نحو 150 مليار درهم (أكثر من 16 مليار دولار) في البنيات التحتية، ضمن رؤية ممتدة نحو 2030، وليس كعبء ظرفي مؤقت.
فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم والوزير المكلف بالميزانية، شدد على أن استثمارات البطولة صُممت لخدمة مشروع مونديال 2030 عبر شراكات مبتكرة وتفادي الضغط على الميزانية العامة، بحيث يستفيد النقل، والسياحة، والتشغيل، والاستثمار من البنية التحتية بعد انتهاء البطولة.
الرهان يتجاوز الأرقام الكبيرة ليصل إلى الرأسمال البشري، مع مشاركة 20 إلى 25 ألف شاب في تنظيم البطولة، ما يشكل تجربة مهنية ستنعكس على سوق الشغل وتكوين جيل جديد من الكفاءات في التنظيم والتواصل والتدبير الرياضي. كرة القدم هنا تتحول إلى مدرسة ميدانية وليست مجرد عرض تلفزيوني.
التقديرات تشير إلى استقبال نصف مليون إلى مليون زائر إضافي خلال البطولة، بما قد يضخ ما بين 450 مليون و1.2 مليار دولار في الاقتصاد المحلي، خصوصاً في الإيواء والمطاعم والنقل والخدمات. كما يُتوقع أن تصل حصة المغرب من عائدات الاتحاد الأفريقي إلى نحو 22.5 مليون دولار من حقوق البث والرعاية، ما يجعل نسخة المغرب مرشحة لتكون الأكثر ربحية في تاريخ المسابقة.
اتساع البث ليشمل 30 دولة أوروبية واعتماد 3800 وسيلة إعلامية يضع المغرب في قلب المشهد الإعلامي العالمي، ويعزز صورته كبلد قادر على تنظيم تظاهرات كبرى بمعايير احترافية. رفع الجائزة المالية للبطل إلى 10 ملايين دولار يعكس تحوّلاً في كرة القدم الأفريقية من بطولة محدودة الموارد إلى صناعة رياضية حقيقية.
وفي هذا السياق، يدخل “أسود الأطلس” البطولة وهم يتصدرون القارة من حيث القيمة السوقية بأكثر من 416 مليون يورو، ما يؤكد أن الاستثمار المغربي في التكوين والاحتراف خيار طويل المدى وليس ظرفياً.
كأس الأمم الأفريقية 2025 ليست مجرد منافسة رياضية، بل تمرين عملي على تنظيم العالم، وبروفة سياسية واقتصادية لمونديال 2030. هي رسالة تقول إن المغرب لا يستهلك الأحداث، بل يصنعها، ويحوّل كرة القدم إلى قوة ناعمة، وعملة صعبة، واستثمار سيادي طويل الأمد.













