الساحل بريس
في الوقت الذي دخلت فيه القوى السياسية مرحلة التجهيز والاستعداد للانتخابات النيابية من خلال مشاورات مكثفة لتشكيل قوائم انتخابية، تجد الأحزاب الصغيرة التي لا تملك قواعد جماهيرية تمكنها من المنافسة نفسها في موقف لا تحسد عليه خاصة مع اتساع الدوائر في القوانين الانتخابية الجديدة.
وتمسكها بالقاسم الإنتخابي الذي يعطيها حظوظا اوفر للمشاركة في المجالس التشريعية.
إن إعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في القوائم الانتخابية يجنب هيمنة الأحزاب الكبرى واستحواذها على المقاعد، وبالمقابل يتيح الفرصة للأحزاب المتوسطة والصغيرة ليكون لها نصيب من توزيع المقاعد البرلمانية.
فالمدافعين عن التوزيع على أساس المشاركين فعلا في عملية التصويت، عينهم على أكبر عدد من المقاعد، وسعيهم تاليا إلى التموقع بقوة في خريطة التوازنات التي ستفرزها انتخابات الخريف المقبل..فنحن في الواقع أمام صراع محتدم حول توزيع المقاعد النيابية، أي ترتيب مراكز القوة في المشهد البرلماني والحكومي المقبل.. لكن لا نظن أن الجدل حول القاسم الانتخابي وقاعدة توزيعه، تحكمه اعتبارات قانونية وسياسية خاصة بالمكونات الحزبية فقط، بل تتقاطع معه استراتيجيات ذات علاقة باختيارات سياسية، مُؤسسة على فكرة التوازن داخل المجال السياسي المغربي، والسبل المطلوبة لتوجيهه والتحكم في استمراره وديمومته.
وللتدليل على أهمية هذه الفكرة، يكون مجديا استحضار الاعتبارات السياسية التي تحكمت بقوة في مسار الانتخابات التشريعية منذ سبعينيات القرن الماضي، وحتى حدود بداية الألفية الجديدة (2002).
فغير خاف عن أي متتبع لتطور الحياة السياسية المغربية أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستكون محكومة بهاجسين اثنين؛ يتعلق أولهما بتكريس تعددية عددية حزبية ممثلة في البرلمان، وهو ما جعل المؤسسة التشريعية على الدوام مطبوعة بالطابع الفسيفساىي، الذي يسمح لكل حزب أن يجد نصيبه من المقاعد بحسب حجمه، وفي الآن معا يحول دون أن تتحقق أغلبيات نيابية متمايزة، قادرة على تشكيل أقطاب وتكتلات برلمانية محدودة العدد، ومؤثرة في العمل النيابي والحكومي معا…والهاجس الثاني هو إحداث التوازن داخل البنية السياسية والحزبية باللجوء كل مرة إلى تعديل تقنيات ومعطيات قانون الانتخابات، من شأنه خلق اللاستقرار في القاعدة القانونية المنظمة للانتخابات، ومن ثم إضعاف شرعية وفعالية المؤسسات الناتجة عنها.