إعداد :نجاة الراضي
ماستر التنمية المحلية ،كلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة
نبـــــذة عن الكتاب
كتاب “التنمية حرية” الذي صدر عن عالم المعرفة العدد 303 مايو 2004، هو كتاب للمفكر الاقتصادي الهندي أمارتيا صن. وقام بترجمة هذا الكتاب المترجم شوقي جلال.
هذا الكتاب الغني بالأطروحات الفكرية، يعتبر الكتاب الأول في تاريخ الفكر الإنساني الذي جمع في أطروحته بين التنمية والحرية. هاته الأطروحة التي حاز بها المؤلف على جائزة نوبل للاقتصاد سنة 1998.
نبذة عن المؤلف
إن هذا الكتاب حصيلة لتجارب أكاديمية وفكرية ميزت المفكر العالمي أمارتيا صن، العالم في الرياضيات والشاعر البنغالي والمفكر الاقتصادي، وهو أول هندي وأول آسيوي حصل على جائزة نوبل للسلام في الاقتصاد، مفكر يتجنب تقديم المشورة للحكومات، مفضلا ان يعرض آراءه على الملأ للمناقشة، وقد أكد في مجلة التمويل والتنمية، سبتمبر 2004 إني أجب المناقشة والجدل أكثر من توزيع المشورة على ذوي الحظوة، ولكني أظن أيضا أن التغيير الاجتماعي يكون أفضل إذا قام على المناقشات (2) بالإضافة إلى حصوله على جائزة نوبل في الاقتصاد، فهو أستاذ قام بالتدريس في أكثر الجامعات حظوة (كمبردج، أوكسفورد، لندن…) للعلوم الاقتصادية، وهو رئيس لجمعية الاقتصاد القياسي بجامعة هارفارد. يصعب الحديث بعجالة عن تجاوز تجاربه كلها، بالنظر إلى عنائها وتعددها، لكن كتاباته وأطروحاته وأفكاره ومقالاته، نابعة من مختلف هاته التجارب وهذا الكتاب الذي يعد أول كتاب يقارب التنمية والحرية، يمثل إحدى الرؤى الإبداعية بامتياز للعالم الثالث إزاء قضية الساسة ولاقتصاديين. كما جاء على لسانه وكما أكد كذلك أن هذا الكتاب هو حصاد تجربة جذورها وامتدادها في العالم الثالث، بلاد الأطراف.
قراة في مضامين الكتاب :
تضمن الكتاب بالإضافة إلى المدخل الذي عنونه باسم التنمية حرية اثنى عشر فصلا، بداها (4) بالتعريف بمقاربات التنمية ووسائلها وغاياتها (الفصل الثاني) والحرية وأس العدالة (الفصل الثالث) والفقر كحرمان من القدرة، والأسواق والفرصة الاجتماعية (الفصل الرابع والخامس) بالإضافة إلى أهمية الديمقراطية (الفصل السادس) والمجاعات والأزمات الأخرى وفعالية المرأة والتغيير الاجتماعي (الفصل السابع والثامن) والسكان والغذاء والحرية (الفصل التاسع) وختم المفكر أطروحاته بأطروحة الاختيار الاجتماعي والسلوك الفردي وأطروحة الحرية الفردية التزام اجتماعي (الفصلين 11-12).
بالإضافة إلى هوامش متنوعة يصعب مناقشة أفكار وأطروحات جميع فصول الكتاب بالنظر إلى تشعبها وغناؤها، لذا سوف أحاول أن أبرز أهمها ولو بشكل عام على الأقل إعطاء صورة مقتضبة عامة لكتاب.
تجمع أفكار هذا الكتاب بين ثلاث أطروحات ناقش بواسطتها المفكر قضاياه التي حددها في فصول هذا الكتاب.
الأطروحة الأولى: تؤكد أن الحرية السياسية جزء من الحرية الإنسانية بصفة عامة وأن ممارسة الحقوق المدنية والسياسية لجزء هام في الحياة الجيدة للأفراد ككائنات اجتماعية، إذ المشاركة السياسية والاجتماعية قيمة جوهرية في رفاهية الإنسانية.
الأطروحة الثانية: تؤكد أن الديمقراطية قيمة فعالية في تحسين مستوى الإنصات الذي يجعل الناس في تعبيرهم وتدعيمهم لمتطلباتهم بالاعتبار السياسي ومن ضمنها متطلبات الاقتصاد.
الأطروحة الثالثة: إن ممارسة الديمقراطية تعطي للمواطنين فرصة لنتعارف وتساعد الفرد على تشكيل قيمه وأولوياته، ففكرة الحاجات الاقتصادية تتطلب هي الأخرى المناقشة الشعبية وتبادل المعلومات والآراء والتحليلات. هاته الأطروحات الثلاث تعتبر بمثابة عنها أطروحات ثانوية ناقش بها المفكر قضاياه المختلفة، حيث مثلا في تحليله للمجاعة والأزمات الأخرى، أكد على أنه لم تقع المجاعة في أي بلد تجري فيه الانتخابات بشكل منتظم، ولديه أحزاب معارضة، تعتبر بصراحة عن انتقاداتها، ويسمح بصحافة حرة تكتب بحرية ومن دون أي رقابة.
وفي حديثه عن الدور الوقائي للديمقراطية أكد على أن الحركات القومية مناهضة للاستعمار ولكنها لم تكن دائما متجهة وبإصرار نحو الديمقراطية.
وفي حديثه عن أهمية الديمقراطية على أهمية عملية تطوير وتعزيز نظام ديمقراطي تعددي كعنصر جوهري في عملية التنمية. وتمثل أهمية الديمقراطية في طبيعتها الجوهرية وفي إسهاماتها الأداتية وفي دورها البنائي في ابتكار قيم ومعايير. كما أن الديمقراطية يمكن أن يكون نطاقها أكثر شمولا وذلك بحكم صلتها بالموضوع، ودورها الوقائي وأهميتها البنائية.
بالإضافة إلى إشارته المتميزة إلى علاقة الديمقراطية بالنمو الإقتصادي، حيث تساءل هل نظام الحكم لاستبدادي مثمر فعلا بالدرجة نفسها. وأكد أن الحقوق السياسية والمدنية من ناحية، والحيلولة دون وقوع كوارث كبيرة مثل المجاعات تهيئ فرصة للانتباه بقوة إلى الاحتياجات العامة وإلى المطالبة بنشاط عام ملائم.
حيث أكد في تحليله للأهمية الأداتية للحرية السياسية على أنه لم تقع المجاعة أبدا في بلد تجري ف
يه الانتخابات بشكل منتظم. وفي حديثه عن سياسات صندوق النقد الدولي أكد على أن غياب الانفتاح والصراحة ووجود روابط غير أخلاقية في قطاع الأعمال، هي سبب فشل هاته السياسات.
وفي مجمل أطروحاته أكد على أن تجدي التنمية يتضمن كلا من القضاء على الحرمان المزمن والحرمان الناجم عن فقر مفاجئ قاس.
منظور الحرية في نظر المؤلف :
يؤكد المؤلف أن التنمية يمكن النظر إليها باعتبارها عملية توسع في الحريات الحقيقية التي يتمتع بها الناس، فالتنمية في حقيقتها هي إزالة مصادر افتقاد الحرية كالفقر، والاستبداد، وشح الفرص الاقتصادية، والحرمان الاجتماعي، والغلو والتطرف، وإهمال المرافق العامة.
ويلاحظ أن نقص الحريات مقترن مباشرة بالفقر الاقتصادي الذي يسلب الناس حقهم في الحرية والحصول على حاجاتهم الأساسية، وفي أحيان أخرى يكون افتقاد الحريات مقترنا بضعف المرافق العامة والرعاية الاجتماعية، مثل برامج مكافحة الأوبئة، أو الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية.
إن الحرية أمر أساسي لعملية التنمية لسببين:
1- سبب قيمي، فتقييم التقدم يتعين أساسا بأن يكون في ضوء بيان ما إذا كانت حرية الشعب تحظى بالتأييد والمساندة.
2- الفعالية، فإنجاز التنمية والتطوير يتوقف بالكامل على الفعالية الحرة للشعب.
ويلاحظ أن ثمة تنافر في بعض الأحيان بين نصيب الفرد من الدخل وحرية الأفراد في الحصول على حياة أطول وأيسر، فمواطنو الغابون والبرازيل وجنوب أفريقيا وناميبيا هم أكثر ثراء من مواطني سريلانكا والصين وولاية كيرالا في الهند، ولكن هؤلاء الأخيرين يحظون بفرص موضوعية للتنمية أعلى من الآخرين،والأفارقة الأميركيون هم أغنى بكثير من بعض أبناء العالم الثالث، ولكن فرصتهم في بلوغ سن متقدمة أقل بكثير من آخرين أفقر منهم في مجتمعات العالم الثالث، مثل الصين أو سريلانكا، وهي مفارقات من المهم النظر إليها باعتبارها مظهرا مهما لفهم التنمية والتخلف.
صياغة المفاهيم الاقتصادية تتوقف بشكل حاسم على الحوارات والمناقشات العامة المفتوحة والصريحة، وضمان أنها في حاجة إلى الإصرار على الحرية السياسية والحقوقالمدنية
الملاحظ أنه حينما تسير الأمور رخاء، ويكون كل شيء على ما يرام فإن الناس لا يشعرون بمسيس الحاجة إلى هذا الدور للديمقراطية، ولكنها تغدو مطلبا ملحا لذاتها عندما تتغير الأمور لسبب أو لآخر، مثل الأزمة المالية في شرق وجنوب شرق آسيا التي ضربت بشدة اقتصادات عديدة، وخلفت وراءها الكثيرين ضحية العوز والفقر، وتكتسب أهمية في هذا الوقت الحوافز السياسية التي يوفرها نظام الحكم الديمقراطي قيمة عملية كبرى.
ولكن مع إقرارنا بأهمية المؤسسات الديمقراطية فإنه ليس بالإمكان اعتبارها أدوات تعمل آليا من أجل التنمية والتطوير، وإن استخدامها مشروط بما نؤمن به من قيم وأولويات، وباستثمارنا للفرص المتاحة للتعبير والمشاركة، وهنا يكون دور الجماعات المعارضة المنظمة مهما خصوصا في هذا السياق.
كذلك فإن الحوارات والمناقشات العامة التي تسمح بها الحريات السياسية والحقوق المدنية يمكنها أن تؤدي دورا رئيسيا في صياغة القيم، حقا إن تعيين الاحتياجات يتأثر بالضرورة بطبيعة المشاركة والحوار العامين، وقوة الحوار ليست فقط إحدى متلازمات الديمقراطية، بما لها من مدى واسع النطاق، بل إن غرسها كثقافة يمكن أن يجعل الديمقراطية ذاتها تعمل وتثمر على نحو أفضل.
مثال ذلك أن الحوار العام بشأن قضايا البيئة حين ينبني على قدر أكبر من المعلومات وقدر أقل من التهميش، فإن هذا لن يكون فقط مفيدا للبيئة، بل ربما يكون مهما أيضا للصحة وللأداء السليم للنظام الديمقراطي نفسه.
وإذا كانت الديمقراطية مهمة باعتبارها مصدرا رئيسا للفرصة الاجتماعية، فإن ثمة حاجة أيضا لدراسة وفحص سبل ووسائل تفعيلها لكي تعمل على نحو جيد، وتحقق ما فيها من إمكانات، والمعروف أن إنجاز العدالة الاجتماعية لا يتوقف فقط على أشكال مؤسسية، بما في ذلك القوانين واللوائح التنظيمية الديمقراطية، بل وأيضا على الممارسة الفعالة.
وهذا تحد تواجهه كل الديمقراطيات الراسخة مثلما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية وبخاصة فيما يتعلق بالمشاركة الفارقة للجماعات العرقية المختلفة، والديمقراطيات الأحدث عهدا، إذ ثمة مشكلات مشتركة وأخرى متباينة.
على سبيل الختم
في الأخير يمكن القول إن كتاب التنمية حرية هو كتاب ملئ بالأفكار والأطروحات التي تمتح من قضايا السياسي المعاصر إذ يجب قراءتها ومناقشتها من أجل البحث عن رؤى متعددة يمكن أن تكون لنا مقاربات عن إشكالية التنمية والحرية.