الداخلة أمام إعادة هندسة المشهد السياسي: قراءات في تحركات الفاعلين

هيئة التحريرمنذ ساعتينآخر تحديث :
الداخلة أمام إعادة هندسة المشهد السياسي: قراءات في تحركات الفاعلين

بقلم : الصغير محمد

يشهد المشهد السياسي بجهة الداخلة وادي الذهب مرحلة غير مسبوقة من إعادة تشكيل ميزان النفوذ، لا تُختزل في المصالحات أو في كثافة الظهور الإعلامي لبعض الوجوه، بل تمتد نحو تغيّر بنيوي في طبيعة الاصطفافات ورهانات المرحلة المقبلة، في ظل دينامية وطنية وإقليمية تفرض على الفاعلين إعادة قراءة سياقهم السياسي بدل الاكتفاء بإدارته.

فغياب محمد بوبكر عن المؤتمر الأخير لحزب التقدم والاشتراكية لا يمكن تفسيره كبساطة بروتوكولية. إنه غياب محمَّل بالرسائل، يوحي بأن علاقة الفاعل المحلي بالحزب المركزي تمرّ بلحظة إعادة تقييم، وربما لحظة تفكير في تموقع جديد قبيل دورة انتخابية ستنقلب فيها كثير من المسلمات.

وفي مقابل ذلك، تظهر مصالحة المامي بوسيف مع الخطاط ينجا في صورة نشرها موقع إعلامي محلي ، قد يقرأ من خلالها عن طي صفحة خلاف سياسي دام سنوات. غير أن الأهم ليس مشهد المصالحة، بل ما يكشفه من انتقال الفاعلين نحو منطق جديد: منطق يفرضه السياق الإقليمي ومركزية مشروع الحكم الذاتي الذي لم يعد مجرد خيار وطني، بل مرجعية أممية معتمدة.

ويستعيد سيدي صلوح الجماني حضوره عبر سلسلة من الأنشطة الحزبية والتدشينات، في ما يشبه عودة استراتيجية تهدف إلى تثبيت موقعه داخل هندسة السلطة الجهوية، دون أن يفقد دوره السابق أو صورته كفاعل لا يزال يؤثر في حسابات ميزان القوى.

أما التحركات المتزايدة لأمبارك حمية في الأنشطة التي يشرف عليها الخطاط ينجا، فتكشف عن تطابق سياسي متنامٍ بينه وبين حما أهل بابا، الرجل الثاني بعد الخطاط في حزب الاستقلال بجهة الداخلة، وليس مجرد تقارب عابر أو حضور بروتوكولي. فحمية وحما معًا فاعلان مُخطِّطان، يتحركان وفق رؤية محسوبة وهدف سياسي واضح، يدركان خريطة القوة داخل الجهة، ويشتغلان بهدوء على بناء موقع سياسي جديد استعدادًا لمرحلة انتخابية حساسة.

إن حضور حما أهل بابا بهذه المكانة يعكس الاستراتيجية المدروسة داخل حزب الاستقلال: تثبيت السلطة المحلية، إدارة التحالفات بحكمة، وضبط خطوط الصراع والانسجام مع مكونات الأغلبية. كما يذكّرنا مقولة ونستون تشرشل:
“السياسة هي فن الممكن”، وهو ما يفسّر كل خطوة محسوبة في هذا المسار السياسي، حيث لا مكان للارتجال، وكل تحرك جزء من لعبة أكبر تتجاوز الحدود المحلية.

ومع ذلك، تظل وضعية أمبارك حمية أكثر تعقيدًا من مجرد قراءة محلية؛ فهو منتمٍ إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، حزب يشتغل بمنطق مركزي صارم، ويمتد تحالفه الاستراتيجي مع حزب الاستقلال ليشمل الجهة. وعليه، فإن تقاطع حمية مع الخطاط ليس فقط خيارًا محليًا، بل ترجمة لرؤية وطنية تسعى إلى ضبط توازنات الأغلبية في أفق استحقاقات مقبلة.

وفي خضم هذا التشكل الجديد، يبرز أيضًا التطابق في الرؤية بين الخطاط وبين اثنين من أبرز معارضيه السابقين داخل المجلس الجهوي قبل انتخابات 2021: المامي رمضان والناجم بكار.
فما كان معارضة شرسة تحوّل اليوم إلى تلاقي في التصورات السياسية، مدفوعًا بإدراك جماعي بأن المرحلة المقبلة تتطلب التقاطع أكثر من التباعد، خصوصًا مع رسوخ خيار الحكم الذاتي كإطار وحيد واقعي لمعالجة النزاع إقليميًا ودوليًا.

وفي الوقت الذي يُعاد فيه ترتيب مواقع النخب التقليدية، تُطرح أسئلة سياسية أكبر حول شكل المرحلة المقبلة، وأي توازنات جديدة ستُبنى، وكيف ستنعكس هذه الاصطفافات على انتخابات يتوقع أن تكون الأكثر حساسية وتعقيدًا منذ سنوات.

فالداخلة اليوم أمام لحظة فارقة:
إما إعادة إنتاج القديم بمعادلات جديدة،
أو الانتقال نحو مشهد أكثر عقلانية وتوازنًا… تصنعه التحالفات المدروسة لا ردود الأفعال.

وفي ختام التحليل، يبقى سؤال محوري: ما موقع الشباب في هذه العملية السياسية المستقبلية؟
فهل سيظل حضورهم هامشيًا، أم سيكونون قوة فاعلة قادرة على المشاركة في إعادة صياغة المشهد السياسي بالجهة؟

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة