*العلامة الشيخ محمد المامي والمحيط الأطلسي: بين الإلهام والاستلهام*

هيئة التحرير9 يوليو 2023آخر تحديث :
*العلامة الشيخ محمد المامي والمحيط الأطلسي: بين الإلهام والاستلهام*

كاتب المقال : الشيخ المامي أحمد بازيد

حاولت في هذه المقالة تسليط الضوء على جانب من تراث الشيخ محمد المامي بن البخاري يساهم في توثيق علاقة مجتمعنا بالبحر.

فقد شكل البحر مصدر إلهام للشيخ محمد المامي، حيث نجد أن هذه الشخصية التي نشأت وترعرعت بتيرس في أعماق صحراء وادي الذهب ، وعرفت كمرجعية علمية في الغرب الإسلامي ، شاءت الأقدار أن ينطلق ارتباطها بالبحر منذ ولادتها فأرخ محمد الخضر بن حبيب في كتابه “المفاد” لميلاد الشيخ محمد المامي بعام السفن الخمس (1785م)، واستمر البحر حاضرا في تآليف الشيخ محمد المامي إلى حين وفاته (1865م).
لم يجد الشيخ بدا من شواطئ الأطلسي كمكان للعزلة العلمية، مفضلا ” شَوَاطِئ الْحِـيـتــان” على البادية التي كانت تتوفر فيها مقومات الرفاهية والراحة حينها، إلا أنها لم تكن بيئة للإبداع الفكري بالنسبة له معبرا عن ذلك بقوله “فلم تكن معاهد الأعراب=أهلا لتأليف ولا إغراب”، فمغادرة منطقة الراحة (comfort zone) تكاد تكون قاعدة إنسانية للانطلاق نحو الابداع، فكان الشغف بالتأليف والإبداع دافعا له للخلوة العلمية في البحر.

وفي هذا يضع الشيخ محمد المامي مقارنة بين المنطقتين و الأسباب التي فرضت عليه اختيار شاطئ الأطلسي مكانا للخلوة العلمية، يقول في نظمه لمختصر خليل الذي عكف عليه على شواطئ المحيط :
وَأسْتَعِيذ اللهَ مِنْ حُسَّادِ@ فَازوا بِطَيِّبَاتِ عَيْشِ الْبَادِي
تَوَسَّدُوا مِنَ أَذْرُعِ الْخَرَائِدِ @حِينَ اكْتِحَالِي بِالدُّخَانِ الْوَاقِدِ
وَانْتَجَعُوا شواطئ الْحَوْذَانِ@ مَشتَايَ فِي شَوَاطِئ الْحِـيتـــان
وَتَجَرُوا بسلَعِ الْآفَاقِ@ إِذْ آجُرُ الْكَتَابَ بِالنَّفَاقِ
وَاشْتَغَلُوا بِاللَّهْوِ وَالْمَلَاعِبِ@ وَأَنَا فِي الْجِد وَفِي الْمَسَاغِـبِ
لِكَيْ أُقَرّبَ لَهُمْ بِالنَّظْم@ مَسَافَةَ النَّثرَةِ ذَرْعَ النَّجْمِ

ومن تجليات ارتباط الشيخ محمد المامي بالبحر عنونة كتابه “إدخالات البحر في الغدير”، إلى جانب توظيفه لإسم إحدى السفن الأوروبية التي رست على الشواطئ في زمنه، وعرفت بمنوارة، فاستخدم الشيخ هذه الكلمة وجعلها عنوانا لإحدى منظوماته الفقهية بالحسانية ، يقول فيها:
منوارة رصّات بفجلة/
عن واحد من لخم تايك.

(ومعنى قوله: منوارة رصّات أي رست).

من جهة أخرى مكنت عزلة الشيخ محمد المامي العلمية في شواطئ المنطقة، من الاحتكاك ببعض طلائع الغربيين، ويدل على ذلك استعماله لمفردات إسبانية و إنجليزية في شعره الحساني (بوني بوني، فيري كود)، في المقطع الآتي:
” لخلف يتبعهم حد أمرد
بوني بوني فيري كوت
بالف قلم كون قلم يا أحمد
واتبيع ظريوك خوف الفوت”

كانت إقامة الشيخ محمد المامي بالساحل مع ابن خاله وتلميذه الشيخ أحمد يعقوب مناسبة مكنته من التعرف على قبائل إيمراكن و أسلوب عيشهم الذي يعتمد على صيد الأسماك، فكان منبهرا به و شد انتباهه الدلفين الذي يساند الصيادين في علاقة فريدة من نوعها في العالم ، استلهم منها عنوانا لأحد أهم مؤلفاته سماه “الدلفينية” ، مخلدا بذلك الدلفين في الموروث الثقافي كرمز للحياة بالصحراء الأطلسية.
يقول في توظيفه للدلفين إلى جانب البحر وقاموسه (البحر، الموج، الغوص، المرجان) في بيت من قصيدته المسماة بالدلفينية:
والعلم بحر بغوص الماهرين به
تلفى اليواقيت فيه والمراجين
لكنه غير مامون تماسحه
وليس في كل موج منه دلفين.

علاقة الشيخ بالبحر كانت محل سخرية نقاده الذين دعوه لإلقاء كتبه في البحر، وعبر الشيخ عن ذلك بقوله في نظمه مختصر خليل :
طوقتكم بهن مجد الدهر
ورأيكم إلقاؤها في البحر

ولا شك أن مبعث هذا هو جهلهم بقيمتها العلمية، إلا أن هذه المحاولات لم تزده إلا إصرار على التأليف(أزيد من مائتي مؤلف) و إرتباطا بالشاطئ لتعكس لنا جانب من شخصية الشيخ الذي لا تكاد تخلو مؤلفاته من إشارة للبحر ، تدعونا الى تعميق البحث في التراث الثقافي البحري بالمنطقة.

مراجع البحث:
1.نظم مختصر خليل للشيخ محمد المامي؛
2.كتاب البادية للشيخ محمد المامي ؛
3. شرح أبيات منوارة للشيخ محمد المامي، شرح للدكتور أحمد كوري محمادي؛
4.كتاب الشيخ محمد المامي للدكتور محمد ولد أحمد البرناوي؛
5. مقابلة في الداخلة مع مقدم زاوية الشيخ محمد المامي الشيخ أحمد بن حمدي بن الشيخ محمد المامي بتاريخ الخميس 29 يونيو 2023؛
6.كتاب إدخالات البحر في الغدير للشيخ محمد المامي؛
7.الدلفينية للشيخ محمد المامي؛
8.كتاب مفاد الطول والقصر في شرح نظم المختصر للعلامة محمد الخضر بن حبيب.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة