في أجواء مشحونة بالرمزية والتاريخ، صعد عبد الإله بنكيران إلى منصة الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي التاسع لحزب العدالة والتنمية بطنجة، حاملاً خطاباً وصفه الحاضرون بأنه الأقوى منذ سنوات. الرجل الذي قاد الحكومة المغربية ذات يوم لم يتردد في كشف الأوراق، مؤكداً أن ما وقع في انتخابات 2021 لم يكن تفوقاً لخصوم حزبه بقدر ما كان “مكراً وخداعاً وتلاعباً” على حد تعبيره.
بنكيران لم يُلقِ باللوم كاملاً على الآخرين، بل اعترف بجرأة أن حزبه ارتكب أخطاءً سياسية وأدبية جعلته عرضة لهجمات إعلامية قاسية. “أنتم اخترتم التصويت لجهة أخرى ونحن نتحمل النتيجة” قالها بصوت واثق، قبل أن ينتقل إلى نفي قاطع لما اعتبره “افتراءات” حول ذمته المالية وعائلته: “أقسم بالله لم آخذ درهماً واحداً من الكنوبس”.
وبنبرة امتزجت بالإنسانية، تحدث بحرقة عن ابنته ذات الإعاقة قائلاً: “هذه ابنتي عروس البيت، ضيفة من عند الرحمن وسأظل بجانبها ما حييت”، في لحظة بدا فيها زعيم العدالة والتنمية أكثر قرباً من جمهوره من أي وقت مضى.
طنجة بالنسبة لبنكيران لم تكن مجرد مدينة تستضيف مؤتمراً حزبياً؛ إنها مدينة التاريخ والنضال والمواقف الكبرى. وصفها بأنها “بوابة الوفاء للغة العربية والدين الإسلامي والوطن”، مستحضراً دورها في نصرة القضية الفلسطينية ومحاولات بناء المغرب العربي ووحدة الشعوب.
وفي خطابه التاريخي، ذكّر الحاضرين بأن المغرب دولة عريقة ضاربة في الجذور منذ ثلاثة عشر قرناً، متفوقاً في عمره السياسي والحضاري على دول أوروبية كبرى. استعاد أمجاد الأندلس والتعايش بين المسلمين والمسيحيين واليهود كدليل على عمق التجربة المغربية في التعدد والاستمرارية.
أما عن تجربته الحكومية، فقد كان صريحاً أكثر من أي وقت: “الملك هو الذي يحكم، ونحن مارسنا السياسة في حدود الممكن دون المغامرة باستقرار الوطن”. وأضاف أن حزبه فضل الاستقرار على المجهول حتى لا يعيش المغرب ما عاشته دول عربية أخرى بعد 2011.
وفي ختام خطابه، كشف بنكيران جانباً شخصياً عن عمره الذي بلغ 73 سنة بالتقويم الهجري، مؤكداً أن خيار التقاعد لا يعنيه، وأن أداء الواجب الوطني سيظل ملازماً له حتى يهيئ الله للبلاد من هو أفضل.