أضحى موضوع التنوع الثقافي يحظى بأهمية بالغةفي عالمنا المعولم والمتنوع نظرا لعدة اعتبارات :
الاعتبارالأول: هو طغیان ثقافات عالمية متنوعة استطاعت أن تؤثر على الثقافات المحليةمما أثر بشكل سلبي على هاته الأخيرة، وأصبحت أقل اندماجية مما كانت عليه،وذلك بالنظر إلى سهولةالعمليات التواصلية، التي أحدثها مجتمع المعلوميات حيث أننا أصبحنا أمام وسائل تعبئة متعددة(الانترنيت… الأنظمة الرقميةللاتصال التلفزيوني)
الاعتبار الثاني: هو ظهور أطروحات جديدةاستطاعت اختراق العالم ثقافيا، وأقصد أطروحةأمركة العالم، حيث نجد أنالولايات المتحدة الأمريكيةتتحكم في أزي د من 65٪ من مستعملي الأنترنيت على المستوى العالمي، عبر تقنياتهاالمتطورة الاستخباراتية… واللوجستيكية… وهاته الهيمنة الثقافية أثرت على مجموعة من الأقليات وثقافتهم وهوياتهم.
مما سبق يمكن القول أن هذين الاعتبارين ساهما في بروز إشكالية التنوع الثقافيإلى الواجهة، باعتبارأهميتها الكبرى في بناءالدولة الديمقراطية الحداثيةحيث أن التنوع الثقافي هوحصيلة حريات الناس والخيارات التي يتخذونها،وقمع الهويات الثقافية هوالذي يؤدي حتما إلى ازياد النزاعات والاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي على أساس الثقافة، وهما اللذان يوقدان شرارة العنف والتوترات.
وقد ساهم ساهم التنوع الثقافي في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسياعبر سياسات متعددةالثقافات وعبر احترامهالثقافة الأقليات وخياراتهم وقد أكد المفكر صامويل هنتغتون في كتابه قضایاثقافية وهو كتاب ألفه إلى جانب لورنس هارسون، على أنه في أوائل سبعينات القرن العشرين (20) وقعت على بيانات اقتصادية لكل من غانا وكوريا الجنوبيةوذهلت عند ما رأيت أوجه التشابه بعد ثلاثين عاماأصبحت كوريا الجنوبيةعملاقا صناعيا يحتل المرتبة 14 على مستوى العالم، بينمالم تبلغ هذا الأمر غانا، هذاالاختلاف سببه بالدرجةالأولى أن الكوريين يقدرونالتنظيم وحسن التدبيروالانضباط.
صحيح أن الديمقراطيةوالتنمية وتماسك الدولةأمور جوهرية، لكن الدولةالتي لا تهتم بخلق بسياسات متعددة الثقافات لا تكرس ثقافة الاختلاف والتي تعتبرجوهر الديمقراطيةالمعاصرة. وقد عملت الحضارة الغربية التي بفضل نضالات مثقفيهاومفكريها، استطاعت أن تجعل من حقوق الإنسان وقيم الحداثة والديمقراطية سلوكا يوميا يوفر للفردوالجماعة الدفاع عن مؤسسات وترتيبات اجتماعية معينة تعملان على إنجاحها. وإذا أخذنا ميدان حقوق الإنسان نجد أن التنوع الثقافي من المواضيع التي حظي بها هذا الميدان وأصبح ينظر إليه كحق من حقوق الإنسان.
إن المجتمع الديمقراطي الحداثي لا يمكن تحقيقه بدون إعطاء الفرصةللجميع لدراسة وإنجازاختياراتهم الكبرى والمتنوعة، وبواسطة ثقافةالمشاركة هاته، يمكن تحقيقالاندماج الوطني والوحدةالوطنية التي لا يمكن تحقيقها إلا بخلق سياسات متعددة الثقافات تكون مدخلا أساسيا لبناء الدولة الديمقراطية الحداثية التي بواسطتها يمكن تحقيق النفع العام لجميع المكونات المجتمعية على اختلاف تلاوين هوياتها وثقافاتها،وقد ساهم التنوع الثقافي في تقدم العديد من البلدان اقتصاديا وسياسيا عبر سياسات متعددة الثقافات وعبر احترامها لثقافة الأقليات وخياراتهم.
إعداد :عبد الواحد بلقصري
باحث قي مركز الدكتوراه مختبر بيئة.تراب.تنمية بكلية العلوم الانسانية والاجتماعية بجامعة ابن طفيل