منذ التحول الكبير لنظام المساعدة الطبية “راميد” إلى “أمو تضامن”، وجدت آلاف الأسر المغربية الهشة نفسها أمام واقع لم تتوقعه. فبعد سنوات من الاستفادة المجانية من الخدمات الصحية، أصبحت هذه الفئات مطالبة بأداء واجبات اشتراك التغطية الصحية الإلزامية، ما أثار جدلاً واسعاً حول عدالة النظام الجديد.
التحول في جوهره يستند إلى ما يُعرف بـ “المؤشر الاجتماعي والاقتصادي”، وهي آلية تقنية تهدف إلى تصنيف المواطنين حسب قدرتهم المادية. لكن الطريقة الحسابية لهذا المؤشر – التي تعتمد على معطيات تبدو بسيطة مثل نوع السكن، حجم استهلاك الكهرباء، عدد الأبناء المتمدرسين أو امتلاك بعض الأجهزة المنزلية – أخرجت آلاف الأسر من دائرة الاستفادة المجانية رغم استمرار معاناتها الاقتصادية.
في بعض الحالات، يكفي أن تمتلك أسرة فقيرة ثلاجة أو تلفازاً، أو أن يشتغل أحد أفرادها بشكل موسمي، حتى تُدرج ضمن فئة “الميسورين”، ما حرم الكثيرين من خدمات صحية أساسية. الأكثر تأثراً بهذا الوضع هم مرضى القصور الكلوي في القرى والمناطق النائية، الذين تتطلب حالتهم جلسات تصفية دم دورية باهظة التكاليف.
ويرى باحثون اجتماعيون أن اعتماد مؤشرات “جامدة” لقياس مستوى الفقر قد يقود إلى إقصاء أكثر الفئات هشاشة، داعين إلى اعتماد مقاربة مرنة تراعي الواقع الميداني بدل الاقتصار على البيانات التقنية. ويقترح هؤلاء الإبقاء على مجانية كاملة للفئات الأشد فقراً، مع مساهمات رمزية للفئات شبه الهشة، إلى جانب إشراك الجماعات المحلية والجمعيات في عملية التحقق لضمان العدالة والشفافية.
جدير بالذكر أن الحكومة صادقت في نوفمبر 2023 على إدماج نحو 11 مليون مواطن، أي ما يقارب 4 ملايين أسرة، في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، للاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض. لكن نجاح هذا المشروع الوطني الطموح يظل رهيناً بقدرته على تحقيق توزيع عادل للخدمات الصحية وصون كرامة المواطنين الأكثر هشاشة.