أقرّت الأمم المتحدة، امس الإثنين، المعاهدة الدولية الأولى لحماية أعالي البحار، وذلك في اتفاق تاريخي مصمّماً لحماية الأنظمة البيئية النائية الضرورية من أجل البشرية.
ورحّب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بإقرار المعاهدة التي وصفها بأنّها “إنجاز تاريخي”، مؤكداً أنّها تؤسّس لإطار عمل قانوني لتوسيع نطاق حماية البيئة حتى يشمل المياه الدولية، أي ما يعادل أكثر من 60 في المائة من محيطات العالم.
ورأت ليز كاران من منظمة “بيو تشاريتبل تراستس” غير الحكومية أنّ إقرار معاهدة أعالي البحار “سوف يكون إنجازاً هائلاً”، مضيفة لوكالة فرانس برس أنّه “إنجاز احتفلنا به بالفعل عبر وضع اللمسات الأخيرة على نصّ المعاهدة في مارس/ آذار” من عام 2023 الجاري. وتابعت كاران: “لكنّ إقراره يضفي طابعاً رسمياً عليه ويحدّد المسار في اتّجاه الخطوات المقبلة”.
ورأى غوتيريس أنّ إقرار المعاهدة يأتي في وقت حرج جداً، إذ تتعرّض المحيطات لتهديد على جبهات عدّة، وأوضح أنّ تغيّر المناخ يعطّل أنماط الطقس وتيارات المحيطات، ويرفع درجات حرارة البحر، ويغيّر النظم البيئية البحرية والأنواع التي تعيش فيها، بالإضافة إلى تعرّض التنوّع الحيوي البحري للهجوم من جرّاء الصيد الجائر والاستغلال المفرط وتحمّض مياه المحيطات.
وأشار غوتيريس إلى أنّ “أكثر من ثلث مخزون الأسماك يُصطاد بأساليب غير مستدامة. ونحن نلوّث مياهنا الساحلية بالمواد الكيميائية والبلاستيك والنفايات البشرية”، وشدّد على أهمية المعاهدة لمواجهة هذه التهديدات وحثّ كلّ الدول على عدم ادّخار جهد لضمان توقيعها والتصديق عليها في أقرب وقت ممكن، مشدّداً على أنّ هذا “أمر بالغ الأهمية للتصدي للتهديدات التي تواجه المحيطات”.
وبعد محادثات استمرّت أكثر من 15 عاماً وشملت مفاوضات رسمية على مدى أربعة أعوام، اتّفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أخيراً على نصّ المعاهدة في مارس الماضي في أعقاب محادثات ماراثونية، ومذاك الحين، خضع النصّ لتدقيق معمّق من قبل محامين ومترجمين في الأمم المتحدة لضمان تطابقه في لغات الهيئة الستّ الرسمية.
ولفتت مجموعة من العلماء في مجلة “ذا لانست” العلمية إلى أنّ “المحيطات الصحية، من مياه السواحل وصولاً إلى أعالي البحار وأعماقها، أساسية من أجل صحة البشر ورفاههم وبقائهم”، وقد أدرك العلماء أكثر أهمية المحيطات التي تنتج معظم الأوكسجين في العالم وتحدّ من التغيّر المناخي من خلال امتصاص ثاني أكسيد الكربون وتضمّ مناطق غنية بالتنوّع الحيوي على مستوى مجهري في أحيان كثيرة.
لكنّه في ظلّ وقوع الجزء الأكبر من محيطات العالم في خارج المناطق الاقتصادية الخالصة لكلّ بلد، الأمر الذي يعني بالتالي أنّها لا تخضع للولاية القضائية لأيّ دولة معيّنة، فإنّ توفير الحماية لما يُسمّى بـ”أعالي البحار” يتطلّب تعاوناً دولياً. يُذكر أنّ ذلك أدّى إلى تجاهلها في إطار خلافات كثيرة تتعلّق بالبيئة، وكان الضوء يسلّط على المناطق الساحلية وأنواع محدّدة ذات رمزية كبيرة.
وسوف تكون القدرة على إقامة مناطق بحرية محمية في المياه الدولية أداة رئيسية في المعاهدة ، وحالياً، تخضع نسبة واحد في المائة تقريباً من أعالي البحار لتدابير حماية، وتُعَدّ المعاهدة أساسية للبلدان الساعية إلى حماية 30 في المائة من محيطات العالم وأراضيه بحلول عام 2030، بحسب ما توصّلت إليه الحكومات في اتفاق تاريخي منفصل أُبرِم في مدينة مونتريال الكندية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2022 الماضي.
وقبل إقرار المعاهدة بساعات قليلة، أفاد كريس ثورن من منظمة “غرينبيس” وكالة فرانس برس بأنّه في حال أُقرّت (وهذا ما حصل) “سوف ينطلق السباق للمصادقة عليها” وسوف يبقى هدف 30 في المائة “في متناول اليد”.
وتعرض المعاهدة التي يُطلق عليها رسمياً اسم اتفاقية الأمم المتحدة المعنية بالتنوّع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية، متطلبات لإجراء دراسات عن التأثير البيئي للأنشطة المقترحة في المياه الدولية ، وعلى الرغم من عدم ذكر ذلك في النص، فإنّ هذه الأنشطة قد تشمل الصيد والنقل البحريَّين وصولاً إلى الأنشطة الأكثر إثارة للجدال مثل التعدين في أعماق البحر أو حتى برامج الهندسة الجيولوجية الهادفة إلى مكافحة الاحترار العالمي.
وتحدّد المعاهدة مبادئ لتقاسم منافع “الموارد الجينية البحرية” التي تُجمَع في خلال الأبحاث العلمية في المياه الدولية، وهي نقطة خلافية رئيسية كادت تُخرج مفاوضات مارس 2023 عن مسارها في اللحظة الأخيرة.
وكافحت الدول النامية التي لا تملك المال اللازم من أجل تمويل هذا النوع من الأبحاث بهدف نيل حقوق تقاسم المنافع، على أمل عدم تخلّفها عن الركب في ما يراه كثيرون سوقاً مستقبلية ضخمة في الاستغلال التجاري للموارد الجينية البحرية، خصوصاً من قبل شركات تُعنى بالأدوية ومواد التجميل تبحث عن “جزيئيات سحرية”.
وبعد إقرار النص، لا بدّ من الانتظار لمعرفة ما هو عدد البلدان التي سوف تقرّر الانضمام إلى المعاهدة، وتتوقّع منظمات غير حكومية الوصول إلى عتبة مصادقة 60 دولة، اللازمة لتطبيق المعاهدة، بما أنّ التحالف الطموح لاتفاقية الأمم المتحدة المعنية بالتنوّع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية الذي ضغط من أجل المعاهدة يضمّ نحو 50 دولة، من بينها دول الاتحاد الأوروبي بالإضافة إلى تشيلي والمكسيك والهند واليابان.
لكنّ هدف 60 دولة لا يشكّل تبنياً عالمياً شاملاً لها، إذ إنّ الأمم المتحدة تضمّ 193 دولة عضوا، وهو العدد الذي يسعى المدافعون عن المحيطات إلى كسب تأييده. وفي تغريدة على موقع تويتر، أفاد ائتلاف حماية أعالي البحار بأنّه “بعد الإقرار، تعدّ المصادقة والتطبيق السريعَان أمراً مهماً”.
(فرانس برس، أسوشييتد برس)