في هذا الحوار الخاص من تقديم الصغير محمد ببرنامج في ضيافة “الساحل بريس”، نسلّط الضوء على أحد أبرز القطاعات الواعدة بجهة الداخلة وادي الذهب: تربية الأحياء البحرية، التي تحولت إلى رافعة تنموية بامتياز، واستقطبت اهتمام الشباب والمستثمرين على حد سواء.
ضيفنا هو محمد أحمد حمنة، الفاعل المهني المتابع عن قرب لتحولات هذا القطاع، والذي يتحدث بكل صراحة عن الفرص الحقيقية المتاحة، والإكراهات التقنية والمالية والبيئية التي تعترض المشاريع، خصوصًا تلك التي يقودها الشباب.
حوار نغوص فيه في عمق ما يسمى بـ”الاستثمار الأزرق”، لنفهم رهاناته، مخرجاته، وحدوده الراهنة.
1. بداية محمد أحمد حمنة ، كيف ترون واقع وآفاق مشاريع تربية الأحياء البحرية بجهة الداخلة، خاصة في ظل موقعها الجغرافي والإمكانات الطبيعية المتاحة؟
شكرًا جزيلًا على الاستضافة. بصفتي رئيس الجمعية المهنية لمربي الصدفيات بجهة الداخلة وادي الذهب، والتي تضم حتى الآن حوالي 90 شركة شابة ومستثمرين طموحين، أرى أن مشاريع تربية الأحياء البحرية ما تزال في مراحلها الأولى من التطوير والتنفيذ، لكنها تحمل إمكانيات واعدة جدًا. تتمتع جهة الداخلة بموقع جغرافي متميز يمتاز بسواحل طويلة وموارد طبيعية غنية، مما يجعلها بيئة مثالية لتطوير مشاريع الأحياء البحرية. هناك عدد كبير من المشاريع التي تنمو بوتيرة جيدة، وتوجد خطط طموحة لإنشاء مفرخات للصدفيات ومراكز معالجة متخصصة، تساعد في رفع جودة المنتجات وتسهل تسويقها محليًا ودوليًا، وهذا سيجعل من الداخلة مركزًا دوليًا بارزًا في هذا المجال خلال السنوات القادمة.
2. ما هو تقييمكم لمستوى انخراط الشباب في هذا القطاع؟ وهل ترون أن هناك دعماً كافياً لهم للانطلاق وتحقيق الاستمرارية؟
الشباب منخرطون بشكل كبير وحيوي في هذا القطاع الجديد والواعد، وهم يظهرون اهتمامًا كبيرًا لتطوير مشاريعهم وتحسين قدراتهم التقنية والإدارية. ومع ذلك، رغم بعض الدعم المتوفر، إلا أنني أعتقد أن هناك حاجة ملحة لزيادة هذا الدعم وتكثيفه من طرف جميع الفاعلين الاقتصاديين والسلطات المحلية. هذا الدعم لا يجب أن يقتصر فقط على الجانب المالي، بل يشمل أيضًا التكوين، التسهيلات الإدارية، وتوفير البنية التحتية اللازمة. التعاون بين المجالس المنتخبة، الإدارات العمومية، والقطاع الخاص ضروري ليتمكن الشباب من إطلاق مشاريعهم بكفاءة وتحقيق استدامتها، خصوصًا أن تربية الأحياء البحرية تمثل رافعة حقيقية للنمو الاقتصادي والاجتماعي في جهة الداخلة.
3. ما هي أبرز الإكراهات التقنية التي تواجهها مشاريع تربية الأحياء البحرية بالجهة؟
من أبرز التحديات التقنية التي تواجه المستثمرين الشباب هو نقص المعدات والعتاد الضروري لصيانة وإصلاح الضيعات البحرية. إذ تتطلب هذه المشاريع تجهيزات خاصة لتحمل الظروف البحرية القاسية، كما أن تغيرات الطقس وتقلبات الأمواج قد تؤدي إلى أضرار متكررة تتطلب تدخلًا سريعًا. إضافة إلى ذلك، هناك ضرورة ملحة لتوفير معدات السلامة والملاحة، مثل أجهزة الإنقاذ الأولية والوسائل الضرورية لضمان سلامة العمال على متن القوارب. هذا النقص في المعدات قد يبطئ من وتيرة العمل ويزيد من التكاليف التشغيلية، وهو ما يشكل عبئًا على المستثمرين الشباب.
4. من الناحية المالية، ما أبرز التحديات التي تواجه المستثمرين الشباب؟ وهل هناك حلول أو مواكبة من الجهات المعنية؟
الجانب المالي يشكل حجر الأساس في نجاح أي مشروع، ويتطلب توفير تمويل مستمر لتغطية التكاليف المختلفة، من شراء المعدات إلى التكاليف التشغيلية. من بين التحديات التي تواجه الشباب هو صعوبة توفير وسائل النقل التي تساعدهم على التنقل بين مواقع العمل، إضافة إلى تعقيدات وتأخير الإجراءات الإدارية المتعلقة بترخيص وتموقع المشاريع على اليابسة، والتي قد تؤثر سلبًا على انطلاقتهم. على الجانب الإيجابي، هناك دعم ومواكبة من الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية بجهة الداخلة، والتي توفر فريقًا من المديرين والمهندسين والأطر الإدارية الذين يقدمون مساندة مستمرة. كذلك، مركز التأهيل البحري بالداخلة يقدم برامج تكوينية مهمة تغطي تربية الأحياء البحرية، الإنقاذ البحري، والملاحة، مما يعزز من كفاءة وكفاءة العاملين في هذا القطاع.
5. إلى أي مدى تأخذ هذه المشاريع بعين الاعتبار البعد البيئي؟ وهل هناك التزام فعلي بمعايير الاستدامة البيئية؟
مشاريع تربية الأحياء البحرية في جهة الداخلة تعتمد على أسس بيئية سليمة وتعتبر صديقة للبيئة نسبيًا، إذ لا تسبب أضرارًا مباشرة كبيرة للحياة البحرية. لكنها تواجه تحديات بيئية خارجية تهدد استمراريتها، وأهمها التلوث الناتج عن المخلفات الصلبة والسائلة التي تُلقى في وادي الذهب، إضافة إلى المخلفات الصادرة عن المنشآت السياحية والفندقية القريبة من الساحل، والتي لا تلتزم دائمًا بالمعايير البيئية المطلوبة، مثل تركيب معدات إعادة تدوير المخلفات. لذلك، هناك حاجة ملحة لتفعيل الرقابة البيئية وتشديد الالتزام بمعايير الاستدامة، للحفاظ على الموارد البحرية وضمان استمرار المشاريع بشكل آمن ومستدام.
6. ما مدى مساهمة مشاريع تربية الأحياء البحرية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالجهة، خاصة من حيث التشغيل وتنشيط النسيج الإنتاجي؟
لا شك أن قطاع تربية الأحياء البحرية يشكل ركيزة مهمة في الاقتصاد المحلي، حيث يوفر فرص عمل مباشرة لعدد كبير من الشباب واليد العاملة المحلية، سواء في إدارة الضيعات أو العمل الميداني مثل الغطس والصيد. كما يلعب دورًا حيويًا في استيعاب خريجي مركز التأهيل البحري بالداخلة، مما يعزز من تنشيط النسيج الإنتاجي المحلي. مع تزايد عدد الضيعات ونجاح المشاريع الخاصة بالشباب، من المتوقع أن يحدث ذلك ديناميكية اقتصادية قوية في الجهة، تساهم في تنويع مصادر الدخل وتحسين مستوى المعيشة، فضلاً عن تعزيز الاقتصاد البحري الذي يعتمد على موارد طبيعية مستدامة.
7. كلمة أخيرة
في الختام، أشكر جريدة الساحل بريس على منحي هذه الفرصة للحديث عن قطاع تربية الأحياء البحرية وتسليط الضوء على أهميته. أؤمن بأهمية تعزيز هذا القطاع الواعد، وأدعو إلى تنظيم ندوات وملتقيات دولية سنوية في مدينة الداخلة، تهدف إلى تبادل الخبرات والمعرفة، وتعزيز الاستثمار في تربية الأحياء البحرية، بما يضمن استدامة الثروات البحرية ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالجهة.