بدر شاشا
بعض المحاسبين سامحهم الله يساهمون في الضرر للناس بموافقة على ما يُطلب منهم من الشخص الآخر: سجل، صرّح بهذا. التلاعب في التصريحات المالية والإدارية من قبل بعض المحاسبين والمشغلين يعد من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني المغربي. هذه الممارسات ليست فقط غير قانونية، بل تؤدي إلى خسائر فادحة للدولة والمجتمع على حد سواء. التلاعب في التصريحات الموجهة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والضرائب قد يكون لها تأثير سلبي على الحقوق الاجتماعية للعمال ويؤدي إلى ضياع أموال مهمة للدولة المغربية، مما يعوق تحقيق التنمية المستدامة.
التلاعب في الأجور والضمان الاجتماعي
من الممارسات التي يشهدها السوق المغربي هي تلاعب بعض المحاسبين بالتعاون مع المشغلين في التصاريح المقدمة للضمان الاجتماعي، حيث يتم التصريح بأجور أقل من الأجور الفعلية، وكذلك بتقليص عدد أيام العمل الفعلية. على سبيل المثال، قد يعمل العامل لمدة 26 يوماً في الشهر ويتقاضى أجراً قدره 3000 درهم، لكن يتم التصريح لدى الضمان الاجتماعي بأنه يتقاضى 2000 درهم فقط، ويعمل 17 يوماً بدلاً من الأيام الفعلية.
هذا التلاعب لا يضر فقط بحقوق العامل في الحصول على حقوقه الاجتماعية الكاملة من تعويضات وتغطية صحية، بل يضر أيضاً بالدولة من خلال تقليص إيراداتها التي يمكن أن تستخدم في تمويل البرامج الاجتماعية والصحية المختلفة. فالضمان الاجتماعي يعتمد بشكل أساسي على هذه الاشتراكات لتقديم الخدمات، وعندما يتم التلاعب في التصاريح، تصبح الدولة والمواطن المتضررين الرئيسيين.
تأثير التلاعب على العمال
التلاعب في التصاريح المتعلقة بالرواتب وأيام العمل يجعل العمال عرضة لفقدان حقوقهم. فعلى الرغم من أنهم يعملون أياماً كاملة ويتقاضون أجوراً محددة، إلا أنهم لا يحصلون على تغطية كاملة في الضمان الاجتماعي، ما يؤثر على قدرتهم على الاستفادة من تعويضات المرض أو التقاعد. بالإضافة إلى ذلك، يتسبب هذا التلاعب في تقليص قيمة المعاشات التقاعدية التي يتلقاها العمال بعد سنوات من العمل، مما يؤدي إلى حرمانهم من حياة كريمة عند التقاعد.
التضخيم في الفواتير والتصريحات الضريبية
إلى جانب التلاعب في الأجور والتصاريح الاجتماعية، يلاحظ أيضاً تضخيم الفواتير والمصاريف التشغيلية لدى بعض الشركات. في هذا السياق، يقوم بعض المشغلين والمحاسبين بتضخيم الفواتير بهدف تقليل الأرباح المصرح بها للسلطات الضريبية، مما يؤدي إلى تقليل المبالغ التي تدفع كضرائب. هذه الممارسة تؤدي إلى ضياع أموال هامة يمكن أن تستخدمها الدولة لتمويل مشاريع البنية التحتية أو تحسين الخدمات العامة.
التضخيم في الفواتير يمكن أن يحدث بطرق مختلفة، مثل إضافة مصاريف غير حقيقية، أو تضخيم أسعار السلع والخدمات في الفواتير التي يتم تقديمها للسلطات الضريبية. والنتيجة النهائية هي أن الشركة تظهر بأنها تحقق أرباحاً أقل، وبالتالي تدفع ضرائب أقل من الواقع.
الآثار الاقتصادية والاجتماعية للتلاعب
هذه الممارسات تترك آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد الوطني. فعندما يتم التلاعب في التصريحات المتعلقة بالأجور أو الفواتير، تفقد الدولة موارد مالية هامة يمكن استخدامها لتحسين الخدمات العامة، مثل التعليم والصحة والبنية التحتية. كما أن هذه الممارسات تضر ببيئة العمل وتجعل العاملين في وضعية هشة، حيث يتم حرمانهم من حقوقهم الاجتماعية والاقتصادية.
علاوة على ذلك، فإن هذه الظواهر تضعف ثقة المواطنين في النظام الضريبي والاجتماعي، وتؤدي إلى تزايد الفساد في بيئات العمل. هذا من شأنه أن يعيق تحقيق الشفافية والنزاهة في المؤسسات العامة والخاصة، مما يجعل تحقيق التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية أمراً أكثر صعوبة.
الحلول والمراقبة الصارمة
لمواجهة هذه الظواهر، يتطلب الأمر تطبيق مراقبة صارمة وفعالة من قبل السلطات المختصة. يجب أن يتم تكثيف عمليات التفتيش على الشركات ومراجعة التصريحات المقدمة إلى الضمان الاجتماعي والسلطات الضريبية. يمكن أيضاً استخدام التكنولوجيا، مثل الرقمنة والذكاء الاصطناعي، لمتابعة الأنشطة المالية والتصريحات بشكل آلي وشفاف.
كما يجب تشديد العقوبات على المحاسبين والمشغلين الذين يثبت تورطهم في هذه الممارسات غير القانونية، من خلال فرض غرامات كبيرة وإحالة الحالات الخطيرة إلى القضاء. هذا من شأنه أن يشكل رادعاً قوياً لكل من يفكر في التلاعب والتزوير.
دور المجتمع والمؤسسات
من جانب آخر، يجب تعزيز الوعي بين العمال بحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، وتوفير منصات للإبلاغ عن التجاوزات التي يتعرضون لها في أماكن العمل. يمكن أن تلعب النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني دوراً هاماً في هذا الجانب، من خلال تقديم الدعم القانوني للعمال المتضررين والمساهمة في مراقبة الأسواق.
كما يجب أن يتم تشجيع المؤسسات على تبني معايير الشفافية والنزاهة في إدارة مواردها المالية والإدارية. تطوير برامج تدريبية للمحاسبين والمشغلين حول أهمية التصريح الصحيح وتجنب التلاعب يمكن أن يكون خطوة مهمة نحو تحسين الوضع.
إن التلاعب في التصريحات المالية والإدارية يشكل خطراً كبيراً على الاقتصاد الوطني وحقوق العمال. هذه الممارسات ليست فقط غير قانونية، بل تمثل خيانة للثقة التي يضعها المجتمع في النظام الضريبي والاجتماعي. من الضروري تطبيق مراقبة صارمة وضمان الشفافية في التعاملات المالية والإدارية لحماية حقوق العمال وتحقيق العدالة الاجتماعية، وضمان استدامة الموارد المالية للدولة التي تسهم في تحقيق التنمية والرفاه للجميع.