الرباط و تل أبيب ..علاقات إستراتيجية ومصالح مشتركة ؟

هيئة التحرير17 سبتمبر 2022آخر تحديث : السبت 17 سبتمبر 2022 - 9:45 صباحًا
هيئة التحرير
أخبار دولية
الرباط و تل أبيب ..علاقات إستراتيجية ومصالح مشتركة ؟

بقلم : أحمدو بنمبا

بعد صعود بايدن رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية أُثيرت المخاوف من أن احتمال تراجعه عن قرار سلفه “دونالد ترامب” بالاعتراف بمغربية الصحراء يمكن ، غير أن هذا التخوف قد تبدد ، لا بل تبين أن واشنطن تشجع قيام علاقات متقدمة بين البلدين ، لأن كليهما يحظى بدعمها في نهاية المطاف ، كما أن ارتكان القوى المحلية المغربية المعارِضة للعلاقات الثنائية إلى التعايش معها ، دفع في المقابل إلى الإسراع بإطلاق شراكة استراتيجية بين البلدين ونسج علاقات إستراتيجية بين المغرب وإسرائيل من جهة أخرى ، موضوع مقالنا هذا…

إن العلاقات الإستراتيجية بين المغرب وإسرائيل قائمة على ماهو مستقبلي بالأساس وليس على ما سبق ، وذلك لتحقيق المصلحة الخاصة لكل واحد منهما ، ولمواجهة التحديات المشتركة ، إذ منذ بدء العلاقات بين الطرفين هناك انهماك كبير في الدفع بتطويرها إلى حدود قصوى ، ذلك أن وتيرة تطورها تُظهر أنها إنتقلت من مبرر الضرورة إلى كونها فرصة وخيارًا استراتيجيًّا ، حيث إن تحرر الطرفين من عقدة إبرامه وأيلولته نحو التقدم يؤدي إلى مزيد من الرضا الذاتي لديهما ، فصار العلاقات الثنائية بينهما يعني أكثر بكثير من مجرد علاقات براغماتية في وقت جرى النظر فيه لإسرائيل على أنها ليست من الأهمية بمكان بالنسبة للمغرب إلا من حيث نفوذها على الولايات المتحدة الأميركية.

كان معظم التعاون بين المغرب وإسرائيل يجري بشكل غير رسمي ، وتجري رعايته من قبل القطاع الخاص في مجالات السياحة والزراعة والتجارة ، حيث لم تكن تتوافر سوى معطيات قليلة عن حجم ذلك حتى إن بعضها يكون مضلِّلًا ، فمثلًا قد يجري إدخال بضائع إسرائيلية إلى السوق المغربية ، وتوفيرها للمستهلك من خلال شركات لها فروع في أوروبا، كما ظل التعاون البيني ساريًا بعيدًا عن الأضواء في مجال هو بطبيعته سري، شاملًا في الغالب ومع ذلك، “تؤكد المصادر الإسرائيلية أنها توفر للمغرب الخبرة الأمنية والاستخبارية اللازمة لضمان تفوق المغرب الأمني والعسكري على جيرانه ، وبشكل أكثر محدودية ، اقتصر التواصل السياسي بين البلدين على الإطار متعدد الأطراف في المحافل الإقليمية والدولية ، ولم يُسجَّل ذلك في إطار ثنائي إلا نادرًا وبشكل غير علني.

اليوم، بفضل العلاقات السياسية، صارت العلاقات الاقتصادية رسميًّة وبمنزلة جواز ولوج شرعي للبضائع الإسرائيلية إلى الأسواق المغربية ، بما يحصِّنها ضد دعوات محتملة للمقاطعة الشعبية.

وبرغم أهمية ذلك، فالمغرب ليس سوقًا مهمة بالنسبة لإسرائيل، غير أنه قد يمثل مدخلًا مهمًّا لتوسيع دائرة حركتها الاقتصادية في القارة الإفريقية ، ذلك أن إنشاء مشاريع مشتركة بينهما من شأنه أن يمكِّن المغرب من العمل كوسيط لدول إفريقيا التي لا تربط إسرائيل بها صلات وبالتالي توطيد علاقاتها معها.

sahel

ففي إطار التعاون ثلاثي الأطراف يمكن للمغرب أن يلعب دور الوساطة التشاركية لنفاذ إسرائيل إلى سوق غرب إفريقيا ، حيث في مقابل تعبئة إسرائيل لقدراتها التجهيزية والتقنية يمكن للمغرب أن يسهم بجهد التحرك والاشتغال لإخراج مشاريع تستجيب للمتطلبات التنموية لبلدان إفريقيا ، وتحقق عوائد متقاسمة للبلدين.

وفضلًا عن أن العلاقات الثقافية بين البلدين لم تعد مقتصرة على تحركات المجتمع المدني من خلال تبادل الوفود الثقافية والسينمائية والمشاركة في المهرجانات ، وإنما صار موضوع اعتماد متبادل ، وامتد ليشمل حتى التعاون في مجال التعليم ، فإن التطور المثير للانتباه هو اتجاه التعاون الأمني والعسكري بين الطرفين للنمو بشكل متزايد ، فالتنسيق الأمني الذي كان أساس العلاقات التاريخية بين البلدين طفا على واجهة علاقاتهما المستعادة بشكل رسمي ، فمن الثابت أنه “استند التعــاون الأمني بين إسرائيل والمغرب إلى أن للنظامين توجهات غربية وعلاقات متميزة مع الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية” ، ومع ذلك، فمن الواضح أن البلدين اللذين تُدرجهما واشنطن في المحور المعتدل من منطقة الشرق الأوسط الكبير ، لديهما مصالح أمنية مشتركة بالوكالة لصالحها ، حيث الحرب ضد التنظيمات الإرهابية هي حاجة متقاسَمة.

من جهة ثانية، و”في أول اتفاق من نوعه بين إسرائيل ودولة عربية ، وقَّع المغرب والدولة العبرية ، مذكرة تفاهم في مجال التعاون العسكري والأمني…، وسيتيح الاتفاق للمغرب اقتناء معدات أمنية إسرائيلية عالية التكنولوجيا” ، ومن المحتمل ألا يكون مجرد صفقة تسليح ، وإنما قد يتطور في اتجاه إحداث استثمار إسرائيلي لتلبية حاجة المغرب في مجال الصناعة الدفاعية من خلال دعمه ومواكبته لإنتاج برامج وأنظمة تسليحية محليًّا.

من جانب آخر، فالتحالف مع اسرائيل هو مهم من حيث مردوده الاستراتيجي بالنسبة للمغرب ، بدليل أن السلطات الجزائرية صارت قلقة منه وحذرة من انعكاسه على موازين القوة بينها وبين المغرب ، وذلك في ظل ما يمكن أن يحققه من مكاسب التفوق العسكري والأمني والتكنولوجي نتيجة تعاونه مع إسرائيل ، ولهذا، “ففي مواجهة تعزيز محور تل أبيب-الرباط بمباركة واشنطن ، اتخذت الجزائر بالفعل احتياطات وجرى النظر في حلول لتعزيز التعاون العسكري مع روسيا ، رغم الأزمة الاقتصادية الخانقة ، فإن السلطات الجزائرية ستقترح شراكة أقوى بكثير مع القوات العسكرية الروسية ، بما في ذلك طلب وصول غير محدود إلى أسلحة متطورة بخطوط ائتمان طويلة الأجل من شأنها أن تسمح للجزائر بدفع ثمن مشترياتها العسكرية الباهظة دون أن تخنق نفسها ماليًّا”.

إن اتفاق المغرب و إسرائيل لم يأت ليجلب فحسب تعاونًا طويل الأمد بين البلدين ، وإنما ليكون بمنزلة خطوة إلى طريق إقليمي جديد ، فعلى المستوى الإقليمي، وبالرغم مما لاقته المغرب كدولة من انتقادات بعض الدول منها إيران ، إلا أنه في المقابل “رحَّب بهذا الاتفاق كثير من البلاد المهمة بالنسبة إلى المغرب ، وينطبق هذا بشكل خاص على العديد من دول الخليج التي تقدم للمغرب الدعم المالي والمساندة في المنتديات الإقليمية ، إذ أنه وفي الواقع ، يبدو أن انفتاح المملكة المغربية على إسرائيل قد قرَّبها من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ، واللتان يبدو أنهما أسهمتا في جهد إقناع المغرب بركوب قطار التطبيع ، خاصة أن الإمارات سبقته إلى ذلك ، وحتى السعودية تتمتع بعلاقات جيدة مع إسرائيل.

فالسياق الجيوسياسي الحالي يحمل العديد من أوجه التشابه مع الشراكات التي وحَّدت المغرب وإسرائيل ، إذ تواجه كل من إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي التدخل الإيراني في المنطقة ، وتُعتبر جهود إيران لامتلاك أسلحة نووية تهديدًا لإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي .

فكما أن علاقات المغرب بإسرائيل في الماضي استندت إلى عدم انجرار المغرب وراء الحركة القومية العربية بقيادة جمال عبد الناصر ، فكذلك الآن تبلغ العلاقات الإستراتيجية بينهما ذروتها في سياق مناهضة سعي النظام الإيراني إلى ممارسة نفوذه في منطقة الشرق الأوسط ، والقصد أن المغرب يعزز الجبهة الإسرائيلية مع بعض دول الخليج الخليجية (الإمارات والبحرين) التي نسجت علاقات جيدة مع إسرائيل.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة