منذ عقود، يشكل النزاع حول الصحراء المغربية أحد أطول النزاعات الإقليمية في إفريقيا، إلا أن مقترح الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب يشكل اليوم نقطة تحول استراتيجية على المستوى السياسي والدبلوماسي. هذا المقترح لا يقتصر على كونها صيغة لإدارة الإقليم؛ بل هو محاولة متأنية لإعادة إنتاج الدولة المغربية بطريقة تأخذ بعين الاعتبار الحقوق المحلية للمجتمع الصحراوي ضمن إطار سيادة وطنية كاملة.
يقوم النموذج المقترح على منح السكان المحليين سلطات واسعة تمكنهم من إدارة شؤونهم بشكل ديمقراطي، عبر حكومة وبرلمان جهويين منتخبين، مع صلاحيات تشريعية وتنفيذية وقضائية في المجالات الأساسية مثل التخطيط الاقتصادي، الإدارة المحلية، البنية التحتية، الأمن الداخلي، والخدمات الاجتماعية. في الوقت نفسه، تبقى السيادة المركزية للدولة المغربية محفوظة في مجالات السياسة الخارجية، الدفاع، العملة الوطنية، القوانين الدينية، ورمز الدولة.
إن أبرز ميزة في هذا النموذج هي القدرة على الجمع بين حكم محلي ديمقراطي ومرونة إدارة شؤون المجتمع وبين الحفاظ على وحدة التراب الوطني، وهو تحدٍ تواجهه العديد من الدول متعددة الثقافات أو ذات الأقاليم المتباينة. كما يتيح الحكم الذاتي للصحراء فرصة المشاركة الحقيقية للسكان في صياغة سياساتهم، ويضمن تمثيل المرأة وآليات تشاورية تمثل كافة الفئات في الإقليم، بما يعكس رؤية شاملة للديمقراطية المحلية.
القرار الأممي رقم 2797، الذي صدر في 31 أكتوبر 2025، يمثل اعترافًا دوليًا واضحًا بمصداقية مقترح الحكم الذاتي المغربي، ويعكس دعم المجتمع الدولي لحل سلمي ومستدام للنزاع. هذا القرار لم يقتصر على التأكيد على الحل المغربي، بل عزز دور الأمم المتحدة في الإشراف على العملية التفاوضية، مع التأكيد على رفض أي حلول تمس السيادة المغربية أو تتجاهل حقوق السكان المحليين.
من منظور تحليلي، يعكس هذا التطور تحولات في الموقف الدولي تجاه الصحراء: فبعد عقود من الجمود السياسي والدبلوماسي، يصبح الآن الحل المغربي معترفًا به كإطار للتسوية، ويشكل ضغطًا غير مباشر على جبهة البوليساريو للتجاوب مع واقع دبلوماسي جديد. كما يفتح الطريق أمام المغرب لتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الإقليم، مستفيدًا من السلطة المحلية الموسعة لتنفيذ المشاريع الأساسية، بما في ذلك البنية التحتية والمبادرات التنموية التي تعزز استقرار المنطقة.
الحكم الذاتي المغربي، سيشكل نموذجًا إقليميًا يُحتذى به في كيفية التعامل مع النزاعات الإقليمية المعقدة، حيث يمكّن الدولة من الحفاظ على سيادتها، ويضمن للمجتمع المحلي الحق في المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويحقق حلًا عمليًا وسلميًا لقضية طال أمدها أكثر من نصف قرن.
الخلاصة .. المغرب لا يقدم مجرد صيغة إدارية؛ بل يطرح رؤية سياسية متكاملة تجمع بين الديمقراطية المحلية، الاستقرار الوطني، والاعتراف الدولي، ليقود بذلك تجربة حكم ذاتي فريدة من نوعها، يمكن أن تشكل مستقبلاً نموذجًا لحل النزاعات الإقليمية ضمن إطار سيادة الدول وحقوق شعوبها.












