بقلم : أحمد لمرابط
لاشك أن الحكومة الإلكترونية، هي نتيجة طبيعية لثورة المعلومات وبزوغ فجر مجتمع المعرفة ، الذي عرفه المغرب في السنوات الأخيرة ، ما ساهم في العمل على تبني مقاربة تهدف إلى تفعيل الحكومة الإلكترونية في مرافق الدولة ، بإعتبارها جزء من السعي إلى الولوج إلى عالم المعلومات والاتصالات الحديثة من أوسع الأبواب ، وقد تم اعتماد برنامج الحكومة الإلكترونية من أجل استغلال التكنولوجيات الحديثة لخدمة المواطن والمقاولة ووضع الحكومة في وضع خاضع أكثر للمساءلة ، ولفسح الفرصة لمزيد من التنمية .
وتعتبر تجربة برنامج الحكومة الإلكترونية أحد أهم التجارب الناجحة في ميدان الإدارة الإلكترونية عالميا حيث استطاعت هاته الإدارة في عديد الدول ، أن تختزل الإجراءات المعقدة وتقدم أفضل واسرع الخدمات للمواطنين وبأساليب لامركزية ، فضلا عن تقليل التكاليف المترتبة على العمل التقليدي ، حيث يعبر مؤشر المشاركة الإلكترونية عن مدى توافر الخدمات الحكومية للمواطنين، وتوفير البيئة التفاعلية مع المعنيين والمشاركة في عملية صنع القرار مع الجمهور وإشراكهم في صياغة السياسات وتطوير الخدمات.
ويحتل المغرب مراتب متقدمة في إفريقيا من حيث استخدام شبكة الإنترنت ، ويوفر المغرب العديد من الآليات الإلكترونية في اتجاه التجسيد الواقعي لمشروع الحكومة الإلكترونية التي مكنت الجهود المبذولة في إطار برنامج الحكومة الإلكترونية من وضع خدمات عمومية إلكترونية رهن إشارة المواطنين والمقاولات والإدارات العمومية ، على سبيل المثال لا الحصر نجد جواز السفر البيومتري ، وبطاقة التعريف الوطنية الإلكترونية ، وخدمة أداء الرسوم المحلية ، وبوابة الوساطة بالنسبة لسوق الشغل ، زيادة على ذلك ومن أجل تشجيع الجهود والمبادرات الناجحة في مجال الإدارة الالكترونية وترسيخ مبادئ المنافسة الشريفة بين مختلف مكونات القطاع العمومي في هذا المجال، قد تم وضع آليات للحكامة لتتبع الحكومة الإلكترونية بالاعتماد على ثلاث هياكل :
اللجنة البين وزارية للحكومة الإلكترونية يرأسها وزير الصناعة، التجارة ، وتحدد هذه اللجنة أهداف برنامج الحكومة الإلكترونية و تقيم منجزاتها.
هيأة قيادة الحكومة الإلكترونية على مستوى الوزارات والمؤسسات العمومية المعنية ﺑﻤشاريع الحكومة الإلكترونية، ويتعلق الأمر بهياكل مكلفة بقيادة تنفيذ البرنامج داخل الإدارات المعنية.
مديرية قيادة برنامج الحكومة الإلكترونية، وهي هيأة للخبرات الداخلية والخارجية، ملحقة باللجنة البين وزارية للحكومة الإلكترونية، تقوم ﺑﻤساعدة اللجنة و هيأة قيادة الحكومة الإلكترونية في تفعيل وتنفيذ برنامج الحكومة الإلكترونية.
جل ما تم ذكره جيد ويبعث على الارتياح، لكن على العكس من ذلك ومن خلال التقرير الصادم الذي أصدره المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص تقييم إستراتيجية المغرب الرقمي 2018 ، نجد أن التقرير سجل تراجع المغرب في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية في السنوات الأخيرة، إذ شهد تصنيف المملكة تقهقرا ملحوظا سنة 2018، واحتل المرتبة الـ78 في مؤشر الخدمات عبر الإنترنيت والمرتبة الـ110 في مؤشر الحكومة الإلكترونية، بعدما حقق سنة 2014 أفضل رتبة له في تصنيف الأمم المتحدة المتعلق بالخدمات الرقمية.
هذه الأرقام التي رصدها قضاة المجلس الأعلى للحسابات الذي يشرف عليه إدريس جطو، تبين وبشكل واضح الحصيلة المتدنية التي راكمها هذا الصرح التنموي، كما أكد على أن مشروع الحكومة الإلكترونية التي راهنت عليه الحكومة بشكل كبير مازال يعرف الكثير من التخبطات والتعثرات، وبأن عددا كبيرا من المشاريع لم يتم إنجازها أو أن هناك صعوبة في تحقيقها على الرغم من الموارد المالية المهمة التي رصدت لهذا الورش، وهو ما أرجعه التقرير إلى التأخر في الإنجاز، غياب استراتيجية واضحة المعالم، وغياب الطابع غير الدقيق لهذه الاستراتيجية وضعف على مستوى حكامة هذه الاستراتيجية.
كما أشار التقرير في دراسة مقارنة قام بها المجلس الأعلى للحسابات لمدى نضج عينة مكونة من 15 خدمة رئيسية في كل من المغرب، من جهة، ودول الاتحاد الأوروبي، من جهة أخرى، إلى أن المغرب حقق نسب نضج جيدة بالنسبة إلى ثمان خدمات؛ من بينها على الخصوص تلك المتعلقة بأداء الضرائب (الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات، الضريبة على القيمة المضافة)، وبالرسوم الجمركية.
وفي المقابل، بينت الدراسة أن الخدمات السبع الأخرى ظلت بعيدة عن المعدل الأوروبي من حيث مستوى النضج؛ ومن بينها على الخصوص الخدمات المتعلقة بالحصول على الوثائق الشخصية وتسجيل السيارات وتسجيل الشركات، وكذا إرسال البينات المتعلقة بالإحصائيات حول الشركات.
كما قامت الدراسة المقارنة بدراسة عدد من الخدمات الأساسية على الإنترنيت التي تعد أولوية بالنسبة إلى المواطنين؛ من قبيل فقدان العمل والبحث عنه، والشروع في مسطرة شكاية، وحيازة وسياقة سيارة، ومتابعة الدراسة في مؤسسة للتعليم العالي، وتأسيس شركة والقيام بأولى الإجراءات، والقيام بالعمليات الاعتيادية لشركة. وسجل المجلس، بهذا الخصوص، أن عددا من الخدمات لا تزال غير متوفرة على الإنترنيت في المغرب، بينما هي متوفرة بنسب مرتفعة بين الدول الأوروبية.
في الأخير يمكن الجزم بأن المغرب خطى خطوة مهمة فيما يخص الاهتمام بالحكومة الإلكترونية وباستخدام الوسائل الإلكترونية لتسهيل الأمور على المواطنين وعلى المؤسسات الحكومية وأيضا القطاع الخاص، لكن هذا لا يمنع من القول بأن المغرب لازال يحتل مراتب متدنية على الصعيد العالمي فيما يخص الحكومة الإلكترونية وأيضا في حصيلة إنجازه لهذا المشروع الذي يظل في بداياته رغم مرور سنوات على تطبيق مشروع المغرب الرقمي، لدى وجب تظافر جهود الجميع، سواء منظمات حكومية ومنظمات المجتمع المدني، أحزاب سياسية، شباب، في سبيل إنجاح هذا المشروع الذي يشكل قفزة نوعية في مجال ترسيخ الديمقراطية والبعد عن البيروقراطية، وفي مجال تحسين الخدمات لولوج المواطنين إليها بكل أريحية، فلا يمكننا الحديث عن حكومة تقدم خدماتها للمواطن إلكترونيا دون أن يكون هذا الأخير غير مستخدم لها، لدى فعلى المواطن أن يشارك هو أيضا في هذا المشروع التنموي، وذلك عن طريق تعلمه لهذه التكنولوجيا الحديثة حتى يساهم بشكل فعلي وفعال في خلق شروط وظروف نجاح هذا الصرح التنموي، الذي سيقدم خدمة ستيسر للمواطن المغربي عملية احتكاكه بالإدارة، وأيضا تسهيل الخدمات بشكل يصبح اكتظاظ الإدارات من الأمور غير المرغوب فيها، كما يجب العمل على وضع مبادئ الدستور الجديد عل أرض الواقع، فواقع الحال لا يبين التطبيق الأمثل والجدي لهذه المبادئ المنصوص عليها في هذه الوثيقة، والتي يمكن إجمالها في جودة التدبير والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وذلك من أجل إنجاح هذا الورش وحتى ينخرط الجميع بروح من المسؤولية والمواطنة الإيجابية.