في كل سنة، ومع حلول العاشر من محرم، تحتفل الأسر المغربية بمناسبة عاشوراء، في طقس جماعي يحمل مزيجًا من البعد الديني والاحتفالي، حيث تتزين الأحياء بصدى تقاليد متوارثة، أبرزها صوت “الطعريجة”، تلك الآلة الإيقاعية البسيطة التي تتحول في يد الأطفال إلى نشيد بهيج يُعلن قدوم موسم الفرح الطفولي.
الطعريجة، بجلدها المشدود وألوانها الزاهية، ليست مجرّد لعبة شعبية، بل جزء من الذاكرة الجماعية للمغاربة، خاصة في المدن القديمة والأسواق الشعبية. فهي ترافق احتفالات عاشوراء بطقوسها الخاصة، حيث يخرج الأطفال جماعات وهم يقرعون الطعاريج بإيقاع متناغم، يجوبون الأزقة مرددين أهازيج محلية، فتتحول الليالي السابقة ليوم عاشوراء إلى مشهد فني حي ينبض بالحياة.
وتحمل الطعريجة في رمزيتها بعدًا اجتماعياً وثقافياً، إذ تجمع بين متعة الطفولة وروح الجماعة، وتعيد إلى الأذهان ممارسات عفوية كانت سائدة في أزمنة البساطة والتضامن، حين كانت عاشوراء مناسبة للفرح، والتعبير عن الهوية، والتواصل بين الأجيال.
ورغم أن مظاهر الاحتفال بعاشوراء بدأت تتخذ طابعاً أكثر اختزالاً في بعض المناطق، بسبب التغيرات الاجتماعية وتسارع نمط الحياة، إلا أن الطعريجة لا تزال صامدة، تفرض حضورها في الأسواق قبيل عاشوراء، وتجد لنفسها مكانًا في قلوب الأطفال، الذين يرثونها كما ورثها آباؤهم وأجدادهم.
إن “الطعريجة” ليست مجرد إيقاع، بل صدى لذاكرة مغربية ضاربة في القدم، تحتفي بالحياة في موسم خاص، وتربط بين الماضي والحاضر بإيقاع بسيط لكنه غني بالرمزية. وفي زمن الحداثة المتسارعة، تبدو الحاجة ماسّة للحفاظ على مثل هذه الرموز التي تُعطي للطفولة نكهتها، وللثقافة الشعبية روحها الحقيقية.
ففي عاشوراء… تُغنّي الطعريجة، وتحكي قصة وطنٍ يحتفي بأصالته في عزّ الحداثة.