بقلم : الصغير محمد
يبدو المشهد السياسي المغربي، كما في كثير من التجارب الديمقراطية الأخرى، محكوماً بثنائية ظاهرة: انسجام مركزي على مستوى السلطة التنفيذية، يقابله تنافر جهوي على مستوى الممارسة اليومية. وإذا كان الائتلاف الحكومي القائم بين الأحزاب الثلاثة ـ التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال ـ يظهر في الرباط في صورة كتلة متماسكة، فإن الواقع في جهة الداخلة يعكس وجهاً آخر لهذا الائتلاف، حيث تتحول وحدة المركز إلى تنازع الأطراف.
المفارقة هنا ليست مجرد سوء تنسيق أو صراع أشخاص، بل تعبير عن تناقض بنيوي في طبيعة التحالف نفسه. فالأحزاب الثلاثة، رغم تقاطع مصالحها على المستوى الوطني، تظل متباينة في بنيتها الاجتماعية وقاعدتها المحلية ورهاناتها الانتخابية. فـ”الأحرار” يراهن على شرعية الإنجاز الاقتصادي، بينما يستند “البام” إلى خطاب الحداثة السياسية والتوازنات الجهوية، أما “الاستقلال” فيحمل إرثاً تاريخياً وثقلاً اجتماعياً يصعب تذويبه في معادلة ظرفية.
في الداخلة، حيث تتشابك اعتبارات القبيلة والجهة والاقتصاد ، ينكشف ضعف مناعة التحالفات القائمة على الضرورة، لا على التوافق في الرؤية. فهنا تتحول كل مبادرة أو قرار إلى مساحة اختبار للقوة والنفوذ، ويصبح التنسيق الجهوي رهينة حسابات محلية ضيقة، تفتقر إلى السقف السياسي الذي يفترض أن يوفره الانسجام الحكومي.
إن ما نشهده في جهة الداخلة ليس شذوذاً عن القاعدة، بل نموذجاً مصغراً عن حدود التجربة الحزبية المغربية في ظل الجهوية المتقدمة. فحين يغيب مشروع سياسي متماسك يتجاوز منطق الغنيمة والتموقع، يصبح التحالف مجرّد معادلة حسابية لإدارة السلطة، لا عقداً سياسياً قادراً على إعادة إنتاج الثقة.
الانسجام في المركز إذن، لا يعدو أن يكون توافقاً على إدارة الحكومة ، بينما التنافر في الجهات يكشف غياب القدرة على تدبير المجتمع. وبين الاثنين يتأرجح السؤال الأعمق: هل نحن أمام ائتلاف حكومي حقيقي، أم مجرد هدنة مؤقتة بين قوى تبحث عن مكاسبها في كل ساحة، من الرباط إلى الداخلة؟