دور الجهة المقاولة في تنمية السياسات الإقتصادية الترابية ( جهة الداخلة نموذجا)

هيئة التحرير8 مايو 2023آخر تحديث : الإثنين 8 مايو 2023 - 12:09 مساءً
هيئة التحرير
مقالات الرأي
دور الجهة المقاولة في تنمية السياسات الإقتصادية الترابية ( جهة الداخلة نموذجا)

بقلم : بلال البومكوتي

لقد أصبح لزاما على الجهة إعطاء أو بالأحرى تسويق صورة تتسم بجودة التراب الجهوي الذي له من الخصوصيات و المميزات، ما يؤهله للدخول في منافسة التراب الجهوي الدولي، انطلاقا من وضع إستراتيجية تسويقية تأخذ بعين الاعتبار واقع و خصوصيات ترابها، الشيء الذي يفسر الأهمية العلمية و العملية للتسويق الترابي، فالأولى ـ العلمية ـ تكمن في راهنية وجدية الموضوع ليس على المستوى الوطني فحسب بل حتى على المستوى المقارن، يكمن في دراسة كيفية ماهية التسويق الترابي في ترسيخ الحكامة الجيدة على المستوى الجهوي أما الثانية -العملية- فتبرز جليا من خلال فهم ميكانزمات التسويق الترابي في تحقيق سياسة استثمارية تدعم دور الجهة و تنمي قدراتها الاستثمارية بناء على ما تمتلكه من مؤهلات و مميزات، و لأجل ذلك فإن المقاربة الوظيفية للجهة المقاولة تروم إلى التدخل في تنشيط الإقتصاد المحلي وفق خصوصيات التراب. و ذلك من خلال العمل على تهيئة المناطق الصناعية بالجهة، ثم تكريس التدبير الإستراتيجي كدعامة أساسية للتسويق الترابي.

تهيئة البنيات التحتية للنشاط الإقتصادي الترابي

كل جهة مقاولة تقوم بإعداد أولوياتها الإستراتيجية لتنمية نشاطها الإقتصادي، يهدف بالإساس إلى إعداد مناطق صناعية تتوفر على كافة البنيات و التجهيزات الضرورية و فقا للمعاير المطابقة للجودة، لجعل الجهة قطبا اقتصاديا منافسا للفضاءات الترابية الأخرى، و في هذا الإطار فالرؤية الإستراتيجية المحلية تحدد للجهة المقاولة المكان الملائم لإقامة الأنشطة الإقتصادية و تجهيزه من خلال ربطه بالشبكات الطرقية، و الماء، و الكهربات و غيرها من البنيات الأساسية التي تعتبر ضرورة لإستقبال الإستثمارات الوطنية و الأجنبية، التي تعود بالمردود الإجابي على الجهة من خلال ازدياد الوعاء الجبائي و بالتالي تغدية ميزانية الجهة ثم التقليص من نسبة البطالة المحلية.

إن إعداد الشروط الملائمة و البيئة المناسبة و المشجعة للإقتصاد الجهوي، الذي يعد من آليات التدخل المباشر للجهة، يتطلب إتخاذ المبادرات التي تقوم بها الجهة في إطار تأهيل البنيات التحتية للتراب الجهوي، و ايجاد المرافق الضرورية المحفزة علىى الإستثمار، فهذه البنيات تشكل اللبنة الأساسية للإقتصاد المحلي، و تتجلى أهمية تأهيل البنيات التحتية في تحقيق التنمية الملائمة و استقطاب الإستثمارات لممارسة النشاط الإقتصادي كأداة لإشباع الحاجيات المحلية.

و تضطلع المناطق الصناعية بدور حيوي في تحريك عجلة الإقتصاد المحلي، سواء على الصعيد انعاش الإقتصاد أو التشغيل و ذلك بهدف خلق اطار مناسب لجلب الإستثمارات المحلية و المشاريع الصناعية، بغية تجميعها في منطقة واحدة، حيث تستطيع من خلالها تحقيق التوازن داخل المجال الترابي الجهوي.

وتجدر الإشارة إلى أن جهة الداخلة وادي الذهب أصبحت جهة تجذب الكثير من المشتثمرين للعمل على تنزيل الأوراش التنموية الكبرى بالأراضي في الأمد القصير ، ما يساعدها على جلب المستثمرين .

إن الاستثمار في جهة تحتضن الكثير من فرص الإستثمار وفي شتى المجالات من شأنه أن يساهم في تنمية الجهة عموما ، وفي جاذبيتها وتنافسيتها ، إلا أن ذلك مقيد بشرط جلب فاعلين إقتصاديين ومستثمرين يكون لهم تأثير واضح على الاستثمار في الجهة.

تأسيسا على ما سبق، فإن جهة الداخلة وادي الذهب لا بد وأن تشرع في اعداد و تجهيز المناطق الإستثمارية لتحقيق مجموعة من الأهداف، و المتمثلة بالأساس في التحكم في نوع الإستثمارات المتواجدة بالمنطقة ، مع رفض كل الإستثمارات الملوثة للبيئة نظرا لغالبية الطابع الإيكولوجي بالجهة ، ثم خلق إستثمارات يمكنها أن تساهم في تحقيق التنمية الإقتصادية، مع الأخذ بعين الإعتبار الثروات الطبيعية التي تزخر بها هذه الأخيرة.

و لذلك فإن التسويق الترابي كأحد المداخل الأساسية لتنفيذ السياسات العمومية الترابية في سبيل تحقيق التنمية الإقتصادية، يسمح بإعادة توزيع الأدوار و يعترف للفاعلين المحليين كمؤسسات جديدة تعتمد تقنيات التدبير الحديث، الأمر الذي يقتضي مراجعة مجموعة من الركائز التي يقوم عليها التسويق الترابي.

تدبير المشاريع بالجهة و مسألة إنعاش الإستثمار المحلي

sahel

لقد أصبح منطق التدبير من مستلزمات التسويق الترابي إذ لا يمكن تصور أي تسويق ترابي بدون تدبير استراتيجي الذي يعد أساس التنمية الترابية، إذ يسمح بضمانة عقلنة أفضل لسيرورة اتخاذ القرار و تنظيم الجهات من خلال ارساء الترابيط بين التنظيم المجالي الفعلي للمواطنين و تنظيم تدبير احتياجاتهم.

إن تنشيط الإستثمار المحلي يعتمد بالأساس على آليات تمكن من الرفع من المستوى التشاركي بتوسيع نشاط المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، و إيجاد فضاء للتشاور بين مؤسسات ذات صلة ببرامج التشغيل و التنمية و الإستثمار، من خلال تقديم تسهيلات للرفع من مستوى المقاولات و تحفيزها على الإستقرار بتراب الجهوي.

إن إنعاش و تشجيع الإستثمار الخاص، كنشاط حيوي ضمن مجالات التدخل الإقتصادي للجهة، كفيل بتحقيق الإقلاع الإقتصادي على الصعيد الترابي، يستلزم من المجلس الجهوي الإنخراط في برنامج طموح و متكامل للعمل على تهيئ بنيات الإستقبال و الجذب للإستثمار و الانفتاح على مختلف المتدخلين الإقتصاديين ، و بالذات المستثمرين الخواص كفاعل اقتصادي أساسي على مستوى فعالية السياسات الإقتصادية الترابية.

و يعتبر الوعاء العقاري عنصرا أساسيا للإستثمار في مختلف القطاعات، و بناءا عليه فقد أصبح الإستثمار العقاري للجهات يحظى بالأولوية، و نظرا للعلاقة الجدلية بين العقار و الإستثمار، أصبح من اللازم على الجهة تكوين رصيد عقاري، يؤمن عمليات الإستثمار و الإستقرار السكاني، و هو ما يعرف بسياسة الإحتياط العقاري.

فإذا كانت أغلب محددات التنافسية المرتبطة بالتكلفة تعود للدولة بحكم الصلاحيات المخولة لها في مجال تحديد نسب المساهمة الضريبية والحد الأدنى للأجور، فإن باقي مرتكزات التنافسية الأخرى يمكن مقاربتها على المستوى الترابي بشكل يمكن من تقوية قدرات ومؤهلات النسيج الاقتصادي الجهوي، وتمكينه من شروط التنافسية وطنيا ودوليا، حيث أن الجهة، قد استطاعت في التجارب المقارنة، من تكريس دورها كمستوى مرجعي للتنمية الصناعية والخدماتية، وكأنسب آلية لتوفير البنيات الأساسية المهيكلة للتنمية الاقتصادية الجهوية، والجاذبة للاستثمار.

كما أن الجهة، وبوصفها الجماعة الترابية المسؤولة عن التنمية الاقتصادية جهويا، تبقى ملزمة بالتخطيط الاستباقي وإعداد التراب، بشكل يمكن من استغلال أمثل للمؤهلات الجغرافية والطبيعية والبشرية، وضمان التقائيتها مع أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية، انطلاقا من التشخيص المشترك للحاجيات والعجوزات.

على أن الجهة، ومن أجل ضمان تحقيق كل ذلك، تبقى ملزمة بتكريس تموقع وظيفي وطني ودولي بعلاقة بالجهات الوطنية والأجنبية الأخرى لسببين رئيسيين :

أولا : التموقع الوظيفي وطنيا، يمكن جهات المملكة من اكتساب مؤهلات تنافسية قطاعية قادرة على جعلها تطور اختصاصات ومهن خاصة بها، انطلاقا من مميزاتها المرتبطة باليد العاملة والرأسمال البشري، الموقع الجغرافي ونوعية الموارد الطبيعية المتوفرة ، وهو ما يدرج التنمية الاقتصادية الجهوية في سياق تكامل وطني بين الجهات.

ثانيا : التموقع الوظيفي على المستوى الدولي يستجيب لمتطلبات المنافسة الدولية، بشكل يجعل الجهات تحسن من جاذبيتها الاقتصادية لرؤوس الأموال والعمالة المبدعة والمؤهلة، وهو ما يساهم لا محالة في تعزيز فرص التنمية الاقتصادية، عبر تجاوز النقائص المحلية والاستفادة من الموارد والمؤهلات والأسواق التي تمنحها فرص عولمة الاقتصاد.

كما يتعين على الجهة تطوير اقتصاد اجتماعي وتضامني، يقوم على استثمار المؤهلات الجهوية، ويتيح تحقيق تنمية داخلية المنشأ من خلال وضع إطار يتيح ضم وتجميع الفاعلين الصغار (وخصوصا على شكل تعاونيات،) وجعلهم يستفيدون، علاوة على الدعم المالي، من مواكبة تضمن اندماجهم في سلسلة القيم، من الإنتاج إلى التسويق، وتمكنهم من خلق العلامات التجارية الخاصة بالمنتوج الجهوي، وذلك من أجل اعتراف أفضل وتثمين أمثل على المستوى الوطني والجهوي والدولي، وضمانا لفعاليتهم الاقتصادية ودورهم الاجتماعي، ثم دعم الأنشطة والمنتوجات التي تثمن المنتوج المحلي، وتشجيع مهن وخدمات جديدة ذات ارتباط بالطاقات المتجددة، والصناعة التقليدية، والسياحة الثقافية، وتقوية الرأسمال البشري، والأنشطة الإنتاجية ذات المحتوى الثقافي.

و عليه فإن الحديث عن تدبير المشاريع الترابية بناءا على سياسة التسويق الترابي تتطلب دراسة كيفية الإستراتيجية التسويقية للتراب قصد تقوية التنافسية مع باقي الجهات، وهو ما تطمح إليه جهة الداخلة وادي الذهب بإعتبارها جهة واعدة في شتى المجالات والميادين .

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة