أحمدو بنمبا
لايختلف إثنان أن التسول في مفهومه العام هو ظاهرة سيكولوجية وسيسيولوجية، يعاني منها المجتمع، وذمها الإسلام ، فحث على العمل والإكتساب، والتعفف عن الناس، وسؤال رب الناس، حتى بايع صلى الله عليه وسلم أصحابه ثم قال : ولاتسألوا أحدا، فكان الرجل يسقط سوطه فينزل ليأخذه بنفسه ولا يسأل أحد أن يناوله إياه.
وفي عصرنا اليوم أضحى التسول حرفة ومهنة لدى كثير من الساسة ، ووسيلة لكسبهم ، وتجارة رابحة عندهم ، بل إن البعض منهم اتخذ من التسول كمؤسسة مدرة للدخل ، يوظف فيها من شاء من أبناء جلدته ليعينوه في مسألته .
إنهم المتسولون الجدد ، ضرب عليهم الفقر خيامه ، وسكن في قلوبهم فلا يبغي عنهم حولا ، فراشهم الفصل ، ولباسهم التقرب والمجاملة ، وظلهم ما يجدونه من مهنتهم هاته ، يمدون أيديهم إلى المخلوق يريدون عطاءه فهم في فقر دائم مادامت نفوسهم التي باعوها بالدرهم والدريهم .
وقديما قال الأعرابي :
أبا مالك لاتسأل الناس والتمس بكفيك فضل الله والله أوسع
ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
لكنهم يتسولون كما يتنفسون ، يريدون مافي يد الغير ، فلا يرون إلا الإملاق والضنك .
هؤلاء هم الساسة المتسولون ، فرغم المنازل المشيدة والملابس الجميلة و السيارات الفارهة يحملون حقائبهم الكبيره ، ويتسولون بقربهم السياسي ، ويبتغون فضلا من ساستهم ، فهم في سفر دائم ونفاق وتملق قل نظيره ، يسميه البعض (بالنفاق السياسي) وهو التسول بعينه فلماذا لانسمي الأشياء بأسمائها ؟
فلافرق بين متسول الشارع والمتسول السياسي ، وجههم واحد ، وثوبهم واحد ، غير أن : “المتسول السياسي “ولد قبل الآخر بألفي عام ، فهو خبير بتاريخ وجغرافية النفاق والتملق.
يظنه البعض حاملا لهموم المجتمع والوطن والأمة ، والحقيقة أنه لايحمل سوى هم بطنه طولا وعرضا ، يبكي على منصبه ، ويضحك عند سيده الذي يجود له أحيانا ، ويمسك عنه أحايينا …
ففي كل المنسابات السياسية منافقون متسولون يضربون طبول الساسة ، ويغنون لهم بأصواتهم الخشنة التي ملها الشعب ، وملتها مدينتنا المكلومة التي أضحت كعكعة بين المتهافتين .
لقد نذر المتسول السياسي القطيعة مع الكرامة والشهامة والأنفة ، وكأنه تسول في بطن أمه قبل أن يولد … و لو وضع في صحراء لا أنيس فيها لأوشك أن يسأل الريح والشجر .
تجري المذلة في جسمه كما يجري دمه ، لاصوت له سوى صوت المال ، إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض .
ويحسب التافهون أن الذي يلهث وراء المال كما يلهث الكلب ، أنه مناضل سياسي وماهو إلا رقيق للدرهم ومملوك له ، يحمل قدحه بين أحزابه السياسية عسى وعسى …
إن هذه الظاهرة ظاهرة غريبة ومشينة ، قتلت الهمم ، وجعلت أصحاب القلوب الصناعية ساجدين راكعين للمتحكمين بالمشهد السياسي ، قصد سد فراغ الجيوب ، وكسب لقمة العيش .
ويبقى السؤال المطروح أين عظماء النفوس ؟
ألا بعدا لعالم كهذا يصبح المرء متسولا ، ويمسي شريفا – كما يحسب نفسه – ، يبيع نفسه ووجه بعرض من الدنيا .