بقلم: الأستاذ الحسن لحويدك، رئيس جمعية الوحدة الترابية بجهة الداخلة وادي الذهب
في الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين، وجه جلالته خطابًا ساميًا إلى الأمة، تناول فيه جملة من القضايا الجوهرية المرتبطة بالتنمية، والاستحقاقات السياسية المقبلة، والوحدة الترابية.
أولاً: مضامين الخطاب الملكي
جاء الخطاب الملكي مفعمًا بالرسائل القوية، حيث أكد جلالة الملك على مواصلة تثبيت مكاسب التنمية، والحرص على العدالة المجالية في إطار الجهوية المتقدمة. كما أعلن عن احترام الموعد الدستوري للاستحقاقات التشريعية المقبلة، مع تكليف وزير الداخلية بفتح مشاورات مع الأحزاب لاعتماد المنظومة المؤطرة لها قبل نهاية 2025.
غير أن النقطة البارزة في الخطاب، كانت تلك المتعلقة بقضية الوحدة الترابية، والتي صيغت بأسلوب واضح وهادئ، يعكس الثقة والسيادة، وفي ما يلي أبرز الرسائل المستخلصة:
ثانياً: تثبيت المرجعية الرسمية – الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية
أعاد جلالة الملك التأكيد بشكل صريح أن مبادرة الحكم الذاتي هي الحل الوحيد الذي يقترحه المغرب لتسوية النزاع حول الصحراء المغربية، وذلك تحت السيادة الكاملة للمملكة.
هذا الموقف الملكي يأتي منسجمًا مع خطب سابقة منذ 2007، لكنه اليوم بصيغة أقوى وثقة أكبر تعكس الاعتراف الدولي المتزايد بمصداقية المبادرة المغربية.
ثالثاً: دعم دولي جديد من بريطانيا والبرتغال
لأول مرة، يشير الخطاب السامي إلى الدعم الرسمي من المملكة المتحدة وجمهورية البرتغال، وهو ما يشكل إضافة نوعية للمواقف المؤيدة لمبادرة الحكم الذاتي، إلى جانب دول كبرى كأمريكا، فرنسا، إسبانيا، وألمانيا.
وتكتسي هذه المواقف أهمية جيوسياسية كبيرة:
بريطانيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي.
البرتغال شريك استراتيجي في الضفة الأوروبية القريبة، ويتقاسم مع إسبانيا مواقف متقاربة.
رابعاً: خطاب ناعم في الشكل، صارم في الجوهر
من أبرز ما ورد في الخطاب:
“حل توافقي، لا غالب فيه ولا مغلوب، يحفظ ماء وجه جميع الأطراف.”
تعكس هذه العبارة رغبة المغرب في تسوية سياسية مسؤولة، تُحافظ على السيادة، وتفتح المجال لحلول واقعية دون انتقاص من الحقوق.
وهو أسلوب يخاطب المجتمع الدولي بلغة متوازنة تعكس حكمة القيادة المغربية، وتجعل المغرب قوة اقتراحية وفاعلاً دبلوماسيًا راشدًا.
خامساً: البعد الإقليمي والاتحاد المغاربي
ربط جلالة الملك بين مستقبل الاتحاد المغاربي، وانخراط المغرب والجزائر فيه، في إشارة إلى أن التنمية الإقليمية تقتضي تجاوز الجمود الحالي في العلاقات الثنائية.
وهي رسالة واضحة للجزائر مفادها أن المغرب منفتح على السلام والتكامل، شرط الوضوح والاعتراف المتبادل بالسيادة والوحدة.
سادساً: السياق السياسي والاستراتيجي للخطاب
يأتي الخطاب في ظرف دبلوماسي مهم:
استمرار القطيعة من الجانب الجزائري، ودعمه لجبهة البوليساريو.
إشادات مجلس الأمن المتكررة بالمبادرة المغربية باعتبارها واقعية وذات مصداقية.
تزايد عدد القنصليات المفتوحة بالأقاليم الجنوبية، وتكريس النموذج التنموي الجديد في الصحراء.
زيارات مرتقبة لتعزيز الشراكات الدولية، خاصة مع دول إفريقية وأوروبية.
وهذا كله يعكس أن المغرب انتقل من الدفاع إلى المبادرة، ومن رد الفعل إلى القيادة في ملف الصحراء.
خاتمة:
إن خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله، بهذه المناسبة الغالية، جاء ليكرس السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية، ويرسم ملامح المرحلة المقبلة بثقة أكبر، وانفتاح محسوب، ورسائل واضحة لكل من الداخل والخارج:
للداخل: الوحدة الترابية خيار لا رجعة فيه.
للخارج: المغرب منفتح على حل سياسي واقعي، دون أن يمس بسيادته ووحدته.