في المشهد السياسي المحلي، يتكرّر سؤال يكشف فجوةً صارخة في أولويات المجالس المنتخبة: لماذا لا تتحوّل فئة الشباب إلى محور برامج تمكين اقتصادي كتلك التي وُجِّهت للنساء في عدد من الجهات، وعلى رأسها جهة الداخلة وادي الذهب؟ الجواب لا يقف عند حدود ضعف الرؤية أو محدودية الموارد، بل يمتد إلى غياب تصور متكامل يربط بين الديمقراطية المحلية والسياسات العمومية الاقتصادية.
في السنوات الأخيرة، أظهرت برامج دعم النساء قدرة ملموسة على خلق مشاريع صغرى، وتحريك عجلة التشغيل، وتعزيز الاستقلالية المالية. لكن في المقابل، ظلّ الشباب يراوح مكانه في سوق هشّ، ومبادرات متناثرة لا تؤطرها سياسة عمومية جهوية متماسكة. إن المجالس المنتخبة، في بداية دوراتها العادية المقبلة، تملك فرصة نادرة لإعادة صياغة أولوياتها، عبر مقاربةٍ تجعل التمكين الاقتصادي للشباب ليس شعاراً انتخابياً، بل برنامجاً مهيكلاً على الأرض.
وتبرز هنا نقطة محورية؛ إذ بعد أن تكفلت شركة التنمية المحلية بمهام التهيئة الحضرية للمدينة والبنيات التحتية الأساسية، بات المجال مفتوحاً أمام المجالس المنتخبة لتركيز جهودها على برمجة مشاريع اقتصادية واجتماعية تستهدف فئة الشباب بشكل مباشر، بما يخلق فرص عمل ويدعم الابتكار المحلي.
عملياً، يمكن لهذه المجالس أن تبادر إلى:
1. إحداث صناديق جهوية لتمويل المقاولات الناشئة يقودها شباب، مع ضمان مواكبة تقنية وإدارية.
2. إطلاق شراكات مع مراكز التكوين لتطوير مشاريع ابتكار مرتبطة بالقطاعات الواعدة.
3. اعتماد ميثاق جهوي للتشغيل يربط عروض الاستثمار بالشروط الاجتماعية، ومنها تشغيل نسبة محددة من الشباب المحلي.
4. تعزيز حضور الشباب داخل النسيج الاقتصادي لجهة الداخلة عبر عقود تشغيل في الشركات المتواجدة بالجهة.
5. إنشاء حاضنات أعمال جهوية (Incubateurs) لدعم الشباب، وتوفير فضاءات عمل مشترك وتأطير إداري وتقني لتحويل الأفكار إلى مشاريع واقعية.
6. برامج تدريب عملية في القطاعات الواعدة مثل الطاقات المتجددة، الاقتصاد الأزرق، اللوجستيك والسياحة البيئية، مع شهادات معتمدة تسهّل ولوج سوق العمل.
7. منح تشجيعية للمشاريع الابتكارية تشمل تمويلاً أولياً، وتكويناً في التسويق والمالية، وربط الشباب بالمستثمرين المحليين والوطنيين.
8. إنشاء منصات رقمية جهوية للتشغيل والتوجيه تجمع عروض الشغل والتدريب وتوفر استشارات مهنية عن بُعد.
إن التمكين الاقتصادي للشباب ليس مجرد رفاه سياسي؛ إنه شرط أساسي لاستقرار المجتمع وتجديد نخبه وضمان السلم الاجتماعي. فكما تحوّل دعم النساء إلى نموذج عملي في جهة الداخلة وادي الذهب، يمكن أن يصبح تمكين الشباب قاطرة تنمية محلية، إذا توفرت الإرادة السياسية والآليات الميدانية.
إن المجالس المنتخبة مدعوة اليوم لتجاوز منطق التسيير اليومي إلى منطق إعادة هندسة العلاقة مع المجتمع، حيث يصبح الشباب شريكاً لا متلقياً، وفاعلاً لا مفعولاً به. هذا التحول لا يحتاج شعارات إضافية، بل يحتاج إلى ميزانيات موجهة، وإبداع في الحلول، وأطر قانونية حامية. عندها فقط يمكن القول إن الديمقراطية المحلية خرجت من دائرة الوعود إلى فضاء الفعل.