محتات الرقاص: مشروع تنظيم المجلس الوطني للصحافة تراجع ديمقراطي يكرّس الهيمنة

هيئة التحرير9 يوليو 2025آخر تحديث :
محتات الرقاص: مشروع تنظيم المجلس الوطني للصحافة تراجع ديمقراطي يكرّس الهيمنة

🟦 في ضيافة “الساحل بريس”
🖋️ إعداد وتقديم: محمد الصغير

في إطار مواكبتها المستمرة لمستجدات الساحة الإعلامية الوطنية، تقدم لكم جريدة “الساحل بريس” حلقة جديدة من برنامجها الحواري، نسلّط فيها الضوء على القضايا الراهنة المرتبطة بتنظيم قطاع الصحافة بالمغرب، وما يطرحه مشروع قانون إعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة من أسئلة وإشكالات.

وفي هذا السياق، يسعدنا أن نستضيف الأستاذ محتات الرقاص، رئيس الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، في حوار مفتوح حول مضامين المشروع وسياقه ومآلاته، على أمل الإسهام في إثراء النقاش العمومي حول مستقبل الصحافة الوطنية.

الصغير محمد:

هل يتماشى مشروع قانون تنظيم المجلس الوطني للصحافة مع روح الفصل 28 من الدستور، أم يُكرّس توجها ضبطيا واقتصاديا؟

محتات الرقاص:

تلقت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بكثير من الاستغراب والصدمة والاستنكار مصادقة مجلس الحكومة الأخير على مشروع القانون المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني للصحافة.

أولا، لأنه لأول مرة تقدم الحكومة على التشريع بشكل أحادي من دون أي تشاور مسبق مع المنظمات المهنية، وخصوصا مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وذلك عكس ما دأبت عليه كل الحكومات السابقة، وهذا قفز وتجاوز للمقاربة التشاركية كما نص عليها الدستور وكما يحث عليها جلالة الملك باستمرار.

ثانيا، النص المصادق عليه من طرف الحكومة ألغى مبدأ الانتخاب بالنسبة لناشري الصحف وعوضه بما أسماه “الانتداب” أي التعيين، ووضع معيارا لهذا الانتداب يرتبط بالحجم المالي للمقاولة الصحفية ورقم المعاملات ومداخيل الإشهار، وكل هذا سيقود إلى جعل التمثيلية محصورة في ثلاث أو أربع مقاولات بسبب حجم مداخيلها المالية، خاصة أن النص يضيف إلى رقم المعاملات ما يسميه “حصصا إضافية” ترتبط بدورها بالمداخيل وأعداد الأجراء، وهذا يصل إلى حد جعل مقاولة تصوت بعشرين صوتا مقابل أخرى بصوت واحد فقط، وهذا غريب وغير منطقي.

وهذا المستجد التراجعي الغريب يؤسس كذلك للتمييز بين المهنيين في شروط وأشكال التمثيل، ويقود إلى الاحتكار والهيمنة والتحكم من طرف مقاولات تجارية، ويقتل التساوي أمام القانون وفي حق التصويت والترشيح، ويحرم الناشرين من إبداء رأيهم في من يمثلهم ويمنع غالبيتهم من حق التصويت، ويقود إلى جعل معيار الرأسمال ومداخيل الإشهار هو شرط التمثيل وعضوية مجلس يُفترض أن يسهر على احترام أخلاقيات المهنة.

وهذا يرسخ إضعاف الشرعية والتمثيلية والمصداقية لدى مؤسسة التنظيم الذاتي، سواء وسط الجسم المهني أو لدى المجتمع. كما أن هذا السيناريو يتناقض تماما مع منطوق وروح الفصل 28 من الدستور، الذي يجعل دور الحكومة محصورا في تشجيع المهنيين على تنظيم مهنتهم بديموقراطية واستقلالية، وأسمى تعبير عن هذه الديموقراطية هو الانتخاب وممارسة الحق في التصويت والحق في الترشيح كما هو متعارف عليه في العالم.

واحتفظ النص، إلى جانب ما سبق، بمبدأ الانتخاب بالنسبة لفئة الصحفيين، لكن بشكل مفتوح وضمن شروط أخرى لا تخلو بدورها من اختلالات وتراجعات، خصوصا من حيث الاستخفاف بدور نقابات الصحفيين وعدم اعتبارها، وأيضا عدم اشتراط شمولية ترشيحات الصحفيين لتمثيلية كل أصناف الإعلام.

ثم هناك اختلال جوهري آخر يتعلق بإضافة اختصاص جديد للمجلس الوطني للصحافة يتعلق بإمكانية منع وتوقيف صحيفة لمدة شهر، وهذا أفضح تراجع، لأن المكتسب الديمقراطي الذي حققه المغرب منذ سنوات جعل منع الصحف بيد القضاء وليس حتى في يد الحكومة كسلطة تنفيذية، لكن اليوم الحكومة تقرر منح هذا الحق إلى مؤسسة التنظيم الذاتي، وهذا غريب جدا، ويدل على غباء سياسي وديموقراطي فظيع. كما أن هذا المقتضى يتناقض مع ما يتضمنه حتى قانون الصحافة الحالي.

وهذه الاختلالات، فضلا عن أخرى سجلها محللون ومتابعون طيلة الأيام الأخيرة، تجعل الخطوة التشريعية الأخيرة للحكومة تراجعا حقيقيا وخطيرا، ومسا بالدستور والقانون وبالتطلع الديمقراطي العام لبلادنا.

الصغير محمد:

هل احترمت الحكومة مبادئ الشفافية والمنهجية التشريعية في إعداد المشروع؟

محتات الرقاص:

كما قلت جوابا عن السؤال السابق، الحكومة لم تتشاور مع الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، وعلمنا أن نقابات للصحفيين بدورها صرحت بعدم التشاور معها، وهذا يسائل الحكومة: مع من تشاورت إذن؟

كما أن قانونا مثل هذا، له علاقة بقضايا الصحافة والحريات، كان يجب أن يكون موضوع تشاور واسع في المجتمع قبل إقراره، وذلك مع الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني والقوى السياسية، ويحضر في النقاش العمومي لإبداء الرأي فيه.

وحتى في زمن ما قبل دستور 2011، كان التشاور العمومي – خصوصا مع المنظمات المهنية – أحسن من هذا الذي جرى اليوم.

الصغير محمد:

هل يُفضي اعتماد التمثيلية الاقتصادية إلى تهميش الإعلاميين الصغار والمقاولات المتوسطة؟

محتات الرقاص:

كما فسرت من قبل، النص المعروض بهذا الشكل، علاوة على تدابير الدعم العمومي، وما يفتحه كل هذا للمستقبل من ممارسات وعقلية متحكمة، من شأنه إقبار المقاولات الصحفية الصغرى والصحافة الجهوية، وإطلاق العنان للاحتكار والهيمنة، والقضاء على تعددية وتنوع الصحافة الوطنية.

الصغير محمد:

هل يعكس توسيع العقوبات مقابل تقليص الوساطة تغليبًا للبعد الزجري على التوافق في تنظيم المهنة؟

محتات الرقاص:

أُضيف للمجلس الوطني للصحافة اختصاص جديد يتعلق بإمكانية توقيف صحيفة لمدة شهر، وهذا وحده فضيحة، لأن المنع يجب أن يبقى حصريا بيد القضاء.

وفي النص الثاني الذي صادق عليه مجلس الحكومة والمتعلق بالنظام الأساسي للصحفيين المهنيين، ورد أن عدم الامتثال لقرار بسحب البطاقة المهنية يُعرض الصحفي المعني لعقوبات جنائية، وضمنيا شرّعنا بذلك لتطبيق القانون الجنائي.

وعوض إدراك مستجدات التشريع الخاص بالوساطة والتحكيم والتلاؤم معها، جرى تكريس نوع من الجبرية في التحكيم، وهذا غير مقبول.

وهناك أشياء أخرى كان يجب الانتباه إليها والحرص على مراجعتها وتطويرها، مثل الآجال ومدة التقادم والمساطر الإجرائية والسلوك مع المتقاضين والتذييل بالقرارات التنفيذية، لأنها مشكلات اعترضتنا في الممارسة خلال الولاية الأولى للمجلس.

ثم أيضا تشجيع تدخلات الوساطة بدءًا من التحكيم أو إصدار القرارات التأديبية والغرامات.

وإذا أضفنا إلى كل ما سبق قيام المجلس على معيار الرأسمال ورقم المعاملات ومداخيل الإشهار بالنسبة للناشرين، فإن مداخل التضييق والتحكم تبقى واضحة فعلا ومهددة.

وهذا كله يسيء إلى الصورة الحقوقية والديموقراطية للمملكة، ومن شأنه أن يسبب لبلادنا إحراجًا بالفعل على مستوى التزاماتها الحقوقية الدولية.

الصغير محمد:

ما مبرر إقصاء هيئات دستورية ومجتمعية من عضوية المجلس، وهل يتوافق ذلك مع التعدد الثقافي والحقوقي للدستور؟

محتات الرقاص:

من طبيعة مثل هذه المجالس في العالم، الحرص على تمثيلية المجتمع/الجمهور، وفي تجربتنا المغربية وقع التوافق في البداية قبل تسع سنوات على اعتبار هذه التمثيلية يجسدها ممثلو:

المجلس الأعلى للسلطة القضائية

جمعية هيئات المحامين بالمغرب

مجلس اللغات والثقافة المغربية (المنصوص عليه في الدستور)

المجلس الوطني لحقوق الإنسان

اتحاد كتاب المغرب
بالإضافة إلى صحفي شرفي وناشر سابق، ما يجعل العدد هو سبعة يُضافون إلى سبعة ينتخبهم الصحفيون وسبعة ينتخبهم الناشرون.

وهذا التوازن كان مبررا وتحكمه رؤية توافقية تراعي وضعنا الوطني وجنينية التجربة. لكن النص الجديد حصر هذه التمثيلية المجتمعية في القضاء ومجلس حقوق الإنسان، وأضاف المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (!) وألغى تمثيلية المحامين والمثقفين، الأقرب إلى مجالات عمل مجلس الصحافة وانشغالاته، ثم زاد ناشرين سابقين آخرين يتم تعيينهما.

ومن ثم أُفرغت التركيبة من معناها وخلفيتها، وتحولت إلى تركيبة غير متوازنة ولا تراعي التوازن، وتتميز بالعشوائية والتفصيل على مقاس طرف محدد، وبحسب المزاج والأحقاد الآنية، وهذا سلوك غريب في التشريع وفي هندسة القانون.

الصغير محمد:

ما هي قراءتكم لأثر هذا المشروع على مستقبل التنظيم الذاتي للصحافة بالمغرب؟ وهل ترون أن هناك أفقًا لتدارك هذا المسار التشريعي قبل اعتماده بشكل نهائي؟

محتات الرقاص:

نحن في الفيدرالية المغربية لناشري الصحف نعتبر أن هذا المشروع، في صيغته الحالية، لا يُشكل تطورًا في مسار التنظيم الذاتي للصحافة، بل هو تراجع خطير عن مكتسبات ديمقراطية تحققت بفضل نضالات طويلة للجسم الإعلامي.

المشروع يُعيدنا إلى منطق التحكم، ويضرب في العمق مبدأ استقلالية المهنة، ويُهمش دور الصحفيين والناشرين الحقيقيين في تقرير مصيرهم المهني.

مع ذلك، فإننا نؤمن بجدوى الحوار المؤسساتي ونراهن على يقظة مكونات المجتمع المدني والقوى الحية داخل البرلمان من أجل وقف هذا المسار وإعادة النقاش إلى سكته الصحيحة. لا زال هناك متسع للتدارك إذا توفرت الإرادة السياسية الحقيقية لذلك.

الصغير محمد:

كلمة أخيرة لقراء جريدة “الساحل بريس” وللرأي العام الوطني بخصوص هذا الورش؟

محتات الرقاص:

أود أن أؤكد أن معركة تنظيم قطاع الصحافة ليست شأنا يخص المهنيين فقط، بل هي معركة ديمقراطية تهم المجتمع برمته.
حرية الصحافة، واستقلالية تنظيمها، وعدالة تمثيليتها، هي شروط أساسية لأي تحول ديمقراطي حقيقي.
لذلك، فإن مسؤولية التصدي لهذا المشروع التراجعي تقع على الجميع: صحفيين، ناشرين، مجتمع مدني، ونخب سياسية.
السكوت اليوم قد يُفقدنا مكتسبات راكمناها بصعوبة، والتاريخ لن يرحم المتخاذلين.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة