شهد برنامج “نكونو واضحين” على القناة الثانية ظهور الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة، في موقف أثار تساؤلات عديدة لدى الرأي العام السياسي: حضوره كان بصفته الأمين العام للحزب وليس كوزير ضمن التحالف الثلاثي للحكومة، مما طرح علامات استفهام حول جدية مشاركة حزبه في القرارات الحكومية، ومسؤوليته أمام مطالب الشباب المتصاعدة.
من زاوية التحليل السياسي، يبدو هذا الموقف وكأنه فصل متعمد بين موقعه الحزبي وموقعه الحكومي، في حين أن الواقع السياسي المغربي لا يسمح بهذا الفصل. الحكومة الحالية تواجه اختبارًا مزدوجًا: الاستجابة لمطالب المواطنين، وخصوصًا جيل Z الذي يرفع شعارات العدالة الاجتماعية والحقوقية في الصحة والتعليم، وفي الوقت نفسه الحفاظ على تماسك التحالف الثلاثي الذي يضم الاستقلال، التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة.
غياب نزار بركة عن تمثيل الحكومة في هذا السياق يعكس، على الأقل في القراءة الرمزية، نوعًا من الانفصال عن الواقع العملي للمؤسسات. فالشباب لم يعد يقبل الخطابات النظرية أو التحفظات الشكلية؛ هم يطالبون بالنتائج الملموسة: مستشفيات مجهزة، تعليم يليق بالعصر، فرص متكافئة. والمفارقة هنا أن حزب الاستقلال، الذي يحمل وزر المسؤولية الحكومية، يظهر وكأنه متفرج على ما تواجهه البلاد من انتظارات متزايدة، في الوقت الذي يتحدث فيه أمينه العام عن الأزمة والثقة، وكأنها مسألة حزبية داخلية لا تتعلق بالسياسات العمومية.
هذا الانفصال بين الدور الحزبي والدور الحكومي ليس مجرد موقف شخصي؛ إنه مؤشر على أزمة الثقة بين المؤسسة السياسية والشباب. الشباب لا يميزون بين وزير وأمين عام حزب إذا كان الطرف المعني هو المسؤول عن السياسات العامة التي تمس حياتهم اليومية. حضور نزار بركة كأمين عام فقط، وغيابه كوزير، يطرح السؤال التالي: هل حزب الاستقلال، داخل الحكومة، قادر على تفعيل دوره في التغيير الاجتماعي، أم أنه يختار الاحتفاظ بمكانته الرمزية بعيدًا عن النتائج الملموسة؟
الأمر الأكثر إثارة للقلق أن هذه السياسة الرمزية تأتي في وقت تتصاعد فيه المطالب بمساءلة الحكومة حول جودة الخدمات العمومية. كل خطاب حزبي جميل على المنابر يصبح فارغًا إذا لم يترافق مع إجراءات واضحة على الأرض. في مواجهة جيل Z، ليس هناك متسع للأوهام؛ كل قرار حكومي، وكل حضور رسمي، يُقاس بمدى تجاوبه مع مطالب الناس، لا بمدى اجتهاد المتحدث في الإعلام.
في المحصلة، حضور نزار بركة بصفته أمينًا عامًا للحزب وليس وزيرًا يمثل نموذجًا حيًا للمفارقة التي تعيشها الحكومة اليوم: حكومة تعلن مسؤوليتها لكنها تفصل بين الكلام والفعل، وشباب يصر على المحاسبة، وحزب قد يختار حماية صورته الحزبية على حساب الدور التنفيذي داخل الحكومة. هذه المفارقة تعكس أزمة ثقة تتجاوز حزب الاستقلال، لتصبح اختبارًا حقيقيًا لكل الأحزاب والمؤسسات في قدرتها على الاستجابة لمطالب مجتمع متغير وسريع التطور.