بدر شاشا
المغرب، بلد عريق يمتد تاريخه لآلاف السنين، شهد على مر العصور تحديات عديدة في سبيل الحفاظ على وحدته الترابية. إن قصة استرجاع المغرب لأراضيه هي ملحمة من الكفاح والصمود، تجسد إرادة شعب وقيادة في مواجهة الاستعمار والتجزئة.
بدأت رحلة استعادة السيادة المغربية مع بداية القرن العشرين، حين كان المغرب تحت وطأة الحماية الفرنسية والإسبانية. في هذه الفترة، تشكلت الحركة الوطنية المغربية التي قادت النضال ضد الاستعمار، متخذة من المقاومة السلمية والعمل السياسي سبيلاً لتحقيق الاستقلال.
شكل عام 1944 نقطة تحول مع تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، والتي وقعها زعماء الحركة الوطنية. هذه الخطوة الجريئة مهدت الطريق لسلسلة من الأحداث التي قادت في النهاية إلى استقلال المغرب في عام 1956. ولكن هذا الاستقلال لم يكن كاملاً، إذ ظلت أجزاء من التراب الوطني تحت السيطرة الأجنبية.
بعد الاستقلال، واصل المغرب نضاله لاستكمال وحدته الترابية. في عام 1958، استرجع منطقة طرفاية من الاحتلال الإسباني، وتبعتها سيدي إفني في عام 1969. كانت هذه الخطوات بمثابة انتصارات معنوية ومادية كبيرة للمملكة.
لعل أبرز محطات هذا الكفاح كانت المسيرة الخضراء في 6 نوفمبر 1975. هذه المسيرة السلمية، التي شارك فيها 350 ألف متطوع مغربي، نجحت في إنهاء الوجود الاستعماري الإسباني في الصحراء المغربية. كانت هذه لحظة تاريخية فارقة جسدت وحدة الشعب المغربي وإصراره على استكمال سيادته على أراضيه.
رغم نجاح المسيرة الخضراء، استمر النزاع حول الصحراء مع ظهور جبهة البوليساريو المدعومة من الخارج. واجه المغرب هذا التحدي بمزيج من العمل الدبلوماسي والعسكري، مع التركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق الجنوبية.
في عام 1979، استرجع المغرب منطقة وادي الذهب من موريتانيا بعد اتفاق سلمي، مما عزز موقفه في الصحراء. وفي التسعينيات، بدأت مفاوضات تحت رعاية الأمم المتحدة لإيجاد حل سلمي للنزاع، استمرت لسنوات دون تحقيق اختراق حاسم.
مع بداية الألفية الجديدة، طرح المغرب مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية كحل واقعي وعملي للنزاع. هذه المبادرة، التي حظيت بدعم دولي واسع، تقدم إطاراً للحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، مع ضمان حقوق وخصوصيات سكان المنطقة.
في السنوات الأخيرة، حقق المغرب انتصارات دبلوماسية هامة، منها اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه في 2020، وفتح العديد من الدول قنصليات لها في مدن الأقاليم الجنوبية، مما يشكل اعترافاً عملياً بمغربية الصحراء.
بالتوازي مع الجهود الدبلوماسية، واصل المغرب تنفيذ مشاريع تنموية ضخمة في الأقاليم الجنوبية، شملت البنية التحتية والطاقات المتجددة والتعليم والصحة، مما عزز اندماج هذه المناطق في النسيج الوطني.
إن مسيرة استرجاع الوحدة الترابية للمغرب هي قصة نضال مستمر، تجمع بين الكفاح السياسي والدبلوماسي والتنموي. وهي تعكس إصرار الشعب المغربي وقيادته على استكمال السيادة الوطنية على كامل التراب المغربي، مع الحفاظ على الهوية والتراث المشترك.
اليوم، يواصل المغرب مساعيه لتثبيت سيادته وتعزيز مكانته الإقليمية والدولية، متمسكاً بحقوقه التاريخية ومنفتحاً على الحوار البناء. إن هذه المسيرة، التي بدأت منذ عقود، تبقى مصدر إلهام للأجيال الحالية والقادمة، وتذكيراً دائماً بقيمة الوحدة والتضحية في سبيل الوطن.
ودائما تحت شعار الله الوطن الملك