كشف مجلس المنافسة، في تقرير مفصل، عن اختلالات بنيوية عميقة تعتري منظومة توزيع المواد الغذائية بالمغرب، مشدّدا على ضرورة إطلاق إصلاحات قانونية ومؤسساتية جذرية لضمان الشفافية والعدالة وتعزيز فعالية السوق الوطنية.
وأشار التقرير إلى أن تعدد المتدخلين المؤسساتيين داخل القطاع يعرقل تنظيمه ويؤثر سلباً على فعاليته، في ظل غياب التنسيق بين مختلف الجهات، رغم توفر إطار قانوني وتنظيمي قوي. هذا الضعف في الانسجام ينعكس، حسب المجلس، في التخطيط ويدفع نحو المزيد من الاختلالات البنيوية.
وسجل المجلس كذلك نقصاً حاداً في البيانات والمعطيات المتوفرة، الأمر الذي يصعّب عملية التقييم الدقيق لوضع القطاع وتحديد آفاقه المستقبلية.
وعلى مستوى البنية التحتية لمسالك التوزيع، أبرز التقرير استمرار هيمنة النظام التقليدي (محلات البقالة وتجار الجملة والتقسيط)، مقابل تنامي التوزيع العصري من خلال المساحات الكبرى والمتوسطة، فضلاً عن بروز التجارة الإلكترونية. ومع ذلك، اعتبر التقرير أن جهود إدماج التجارة التقليدية في منظومة العصر الرقمي ما تزال محدودة، بسبب ضعف المواكبة والدعم التقني.
وفي جانب الأسعار، نبّه المجلس إلى أن مسالك التوزيع الحالية تُسهم في تضخيم غير مبرر لهوامش الربح، خصوصاً على مستوى التوزيع العصري، مما يؤدي إلى تفاقم غلاء الأسعار ويزيد من تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.
كما سلط التقرير الضوء على ممارسات تجارية تفتقر إلى الشفافية في العلاقة بين الموردين والموزعين، خاصة في ما يتعلق بآجال الأداء وهوامش الربح “الخلفية” التي تحقّقها المساحات التجارية الكبرى، ما يُكرّس هيمنة بعض الفاعلين ويقوّض مبدأ المنافسة العادلة.
ولم يكتفِ التقرير بتشخيص الوضع، بل قدم جملة من التوصيات الإصلاحية، من بينها:
تحديث وتحيين الإطار القانوني والتنظيمي ليتماشى مع التحولات المتسارعة.
إعادة هيكلة حكامة القطاع وتوحيد تدخلات المؤسسات المعنية.
إحداث آلية وطنية لليقظة وجمع البيانات بهدف تعزيز الشفافية وتتبع دينامية السوق.
دعم التجارة التقليدية عبر تفعيل نتائج مخطط “رواج”، إلى جانب تعزيز التكوين المهني.
كما أوصى المجلس برقمنة المتاجر الصغيرة لتمكينها من تنويع مصادر دخلها، وتنظيم سلاسل التمويل التجاري، مع تحسين العلاقة التعاقدية بين الموردين والموزعين الكبار.