لا تخفي السلطات النقدية في المغرب انشغالها بحجم “الكاش” الذي يجري تداوله في السوق المحلية، مؤكدة ضرورة محاصرته، وهي العملية التي ما فتئ العديد من المعنيين بهذا الموضوع يدعون إليها، من دون أن يتراجع حضور الكاش على مسرح المعاملات.
ويتجاوز الكاش المتداول في المغرب بين الأسر والفاعلين الاقتصاديين 42 مليار دولار. تلك سيولة لا تستفيد منها المصارف والاقتصاد الوطني، علما أن الودائع المصرفية تصل إلى حوالي 120 مليار دولار. ويتطور الكاش في المغرب بسرعة تتجاوز الودائع لدى المصارف في الأعوام الأخيرة، خاصة بعد أزمة كورونا التي ساهمت في ارتفاع المعاملات النقدية، وسط مخاوف الأسر من عدم القدرة على سحب جزء من ودائعها لدى المصارف.
ويفضي انتشار تداول الكاش إلى حرمان المصارف من ودائع مهمة يمكن توجيهها للمقرضين، حيث إن العجز على مستوى السيولة البنكية، يدفع البنك المركزي إلى التدخل من أجل الاستجابة لاحتياجات المصارف. ويتوقع بنك المغرب أن حاجيات المصارف من السيولة في ظل توسع تداول الكاش، ستصل في نهاية العام الحالي إلى أكثر من 12 مليار دولار، قبل أن ترتفع إلى 14.66 مليار دولار في العام المقبل. علما أن البنك المركزي يؤكد أنه يمكن أن يضخ في المصارف حتى 40 مليار دولار.
ولم يكفّ السيد عبداللطيف الجواهري، عن التعبير عن التوجه نحو الإحاطة بأسباب انتشار تداول الكاش، حيث أكد بعد انعقاد مجلس بنك المغرب ، الثلاثاء الماضي، أنه يتم حالياً التركيز على إنجاز دراسة حول تأثيرات تداول الكاش بهدف الوقوف على الوضع الحقيقي لتلك الظاهرة. فيما يؤكد خبراء اقتصاد أن القطاع غير الرسمي الذي يمثل حوالي 30% من الاقتصاد المغربي يشجع تداول الكاش، غير أن الجواهري يميل إلى أنه لا يمكن تأكيد أن ذلك القطاع يفضي بالضرورة إلى انتشار تلك الظاهرة التي تمثل 28% من الناتج الإجمالي المحلي.
ويضرب مثلا بكينيا ومصر اللتين تتشابهان مع الاقتصاد المغربي فيما يتصل بوزن القطاع غير الرسمي، حيث يلاحظ أنه إذا كان القطاع غير الرسمي يمثل في مصر حوالي 28%، فإن حجم تداول الكاش يصل إلى 12% من الناتج الإجمالي المحلي، وهو معدل لا يتعدى 2% في كينيا. ويشدد على أن الوضع في المغرب يقتضي دراسة خاصة يعكف عليها البنك المركزي، معبراُ عن تفهّمه لأن تكون عوامل ثقافية وراء الحرص على استعمال الكاش، داعيا إلى تغيير الوضعية الحالية.
ويطرح ارتفاع حجم الكاش المتداول في المغرب تحديات كثيرة، حيث يعبّر البعض عن التخوف من مخاطر الغش وغسل الأموال وانتشار القطاع غير الرسمي. ويتجلى أن 70% من الأوراق النقدية المتداولة هي فئة 200 درهم، حيث يتم كنزها، ما يحرم الاقتصاد من تمويلات مهمة ويخلق خصاصا في السيولة لدى البنوك.
ويرى مراقبون أن الكاش يتمدد مع التضخم الذي كان بلغ 6.1% العام الماضي، قبل أن يتراجع في السبعة أشهر الأولى من العام الجاري إلى 1.7%، غير أن آخرين يتصورون أن التمسك بالتعامل بالكاش ظاهرة ثابتة في سلوك الأسر والتجار بالمغرب، حيث يحرصون على أنه متاح من أجل إنجاز بعض مشترياتهم أو مواجهة مصاريف طارئة.
ويقول محمد العربي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، في تصريح لـجريدة “العربي الجديد”، إن انتشار التعامل بالكاش له علاقة بالثقة التي تجعل نسبة المعاملات المصرفية دون الانتظارات. ويؤكد العربي أن إرساء أجواء من الثقة لدى المودعين المحتملين يقتضي توضيح العلاقة مع المصارف على مستوى معدلات الفائدة والعمولات والتجاوب مع انتظارات طالبي القروض من المودعين عوضا عن فرض شروط تكون في بعض الأحيان مكروهة.
العربي الجديد