بدر شاشا
في زمن يُفترض فيه أن العلم والتكنولوجيا وسيلتا تحصين ضد الخداع، نجد أن شريحة من المغاربة لا تزال تقع فريسة سهلة لعمليات نصب إلكترونية تُديرها شبكات منظمة عبر تطبيقات مثل “تلغرام” و”واتساب”. هذه الشبكات تُتقن فن الإغراء وتستغل حاجات الناس ورغبتهم في تحسين أوضاعهم المادية، لتدفعهم إلى شباكها عبر وعود كاذبة بأرباح مالية سهلة وسريعة.
تبدأ القصة بإدخال الضحايا إلى مجموعات إلكترونية مختارة عشوائيًا، حيث يتم استقبالهم بعروض مغرية مثل الاشتراك في قنوات “يوتيوب” أو الاستثمار في مشاريع تجارة إلكترونية تدّعي أنها مربحة وآمنة. الخطوة الأولى في هذا النصب هي تقديم أرباح صغيرة وحقيقية في البداية، بهدف بناء الثقة وترسيخ الشعور بالمصداقية. هذه الخطوة الذكية تجعل الضحايا يقتنعون بأنهم أمام فرصة ذهبية لا تُعوَّض، فيندفعون إلى استثمار مبالغ أكبر، طمعًا في تحقيق أرباح مضاعفة.
لكن القصة لا تنتهي هنا، بل تأخذ منحى مأساويًا. بمجرد أن تُجمع المبالغ الكبيرة من الضحايا، تختفي هذه المجموعات فجأة، تاركة وراءها سيلًا من الخيبات والأسى. الأموال تُسرق، والثقة تُدمَّر، ليجد الضحايا أنفسهم أمام واقع مرير لا حل فيه سوى تقديم شكاوى غالبًا ما تظل حبيسة الأدراج أو تواجه صعوبة في التتبع بسبب الطبيعة المجهولة لهذه الشبكات.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: كيف يُمكن للمغاربة الوقوع في مثل هذه الحيل، وهم يعيشون في عصر يعج بالمعلومات والتحذيرات؟ الجواب قد يكمن في عدة عوامل، أبرزها الحاجة الاقتصادية التي تجعل البعض يبحث عن أي فرصة لتحسين دخله، ولو بدت غير منطقية. كما أن ضعف الوعي الرقمي يلعب دورًا كبيرًا في سهولة استدراج الضحايا، حيث لا يدرك الكثيرون أن الفرص السهلة والمربحة غالبًا ما تكون فخاخًا مخفية.التكنولوجيا، التي من المفترض أن تكون أداة تمكين، تحولت في أيدي هذه الشبكات إلى أداة استغلال. الأمر لا يتوقف على الجهل، بل يتعداه إلى غياب الحماية القانونية والتقنية الكافية. رغم الجهود المبذولة في المغرب لتعزيز الأمن الرقمي، إلا أن تطور أساليب النصب يجعل من الصعب دائمًا مواكبتها والحد من انتشارها.
للتصدي لهذه الظاهرة، يجب العمل على نشر الوعي الرقمي بين جميع فئات المجتمع، من خلال حملات توعية تُظهر أساليب الاحتيال الحديثة وكيفية تجنبها. كما يجب تعزيز التشريعات والقوانين التي تجرّم هذا النوع من العمليات، مع تطوير آليات لتتبع المتورطين وتقديمهم للعدالة لا بد من التأكيد على أن الثقة الزائدة في الغرباء على الإنترنت هي المدخل الأول لكل عملية نصب. التكنولوجيا أداة قوية إذا استُخدمت بحكمة، لكنها قد تصبح سيفًا ذا حدين إذا لم يُحسن التعامل معها. المغاربة، مثلهم مثل غيرهم، يحتاجون إلى فهم أن النجاح لا يأتي عبر وعود سهلة وأرباح خيالية، بل عبر العمل الجاد والتخطيط الواعي، فزمن العلم لا يرحم السذج.