الشارع المغربي بين امتحان الحكومة وإرادة الجيل الجديد

هيئة التحرير30 سبتمبر 2025آخر تحديث :
الشارع المغربي بين امتحان الحكومة وإرادة الجيل الجديد

بقلم : الصغير محمد

منذ أيام، يتضح أن الحكومة المغربية تجد نفسها وجهاً لوجه أمام امتحان الشارع، حيث خرج جيل “Z” بما يحمله من وعي رقمي، وتصورات مختلفة للسياسة، وأحلام أقل صبراً على بطء الإصلاح وأكثر جرأة في المطالبة بالحق. لم يكن الأمر مجرد احتجاج اجتماعي عابر، بل إعلان عن انتقال مركز الثقل في النقاش العام من صالونات الأحزاب إلى فضاءات مفتوحة تتشكل عبر الهواتف الذكية، وتتحرك بسرعة تفوق قدرة الحكومات على الاستيعاب.

إن مطالب الشباب ليست جديدة في مضمونها: التعليم، الصحة، الشغل، العدالة الاجتماعية. لكنها جديدة في شكلها؛ لأنها لا تعترف بالوساطات السياسية التقليدية، ولا تمنح الشرعية لوجوه فقدت مصداقيتها بتراكم الفشل أو بالتورط في صراعات حزبية ضيقة. هنا يظهر المأزق: حكومة تسيَّر بوزراء محكومين أحياناً بانتماءاتهم الحزبية أكثر من كفاءاتهم، في مواجهة شباب لا يريد خطاباً تبريرياً، بل فعلاً مباشراً.

قد يسأل سائل: هل يفتح هذا الحراك الباب أمام صعود حكومة تكنوقراط، تتشكل من خبراء لا من سياسيين مهرة في فن الانتخابات؟ قد يكون هذا سؤال المرحلة. فالخبرة اليوم أداة بقاء، لا مجرد زينة. في قطاعات مثل التعليم والصحة، لا مكان للوجوه المستهلكة التي تنظر إلى الوزارات كمقاعد امتياز، بل الحاجة إلى مسؤولين يعرفون تفاصيل الملفات، ويتعاملون مع الوطن كجسد يئنّ، لا كغنيمة انتخابية.

ومع ذلك، يجب التنبه إلى أن التكنوقراط ليسوا حلاً سحرياً. هم أدوات لتنفيذ السياسات، وليسوا بديلاً عن السياسة ذاتها. حتى لا يصبحوا “واجهة تقنية” لنظام سياسي. غير أن لحظة الشارع اليوم تمنح احتمالاً مختلفاً: إذا نجحت الدولة في تحويل غضب جيل Z إلى طاقة إصلاحية، وإذا استُخدمت الكفاءات التكنوقراطية لا كغطاء بل كقاطرة، فإننا قد نشهد بداية لمرحلة تُدار فيها الشؤون العامة بعقلانية ومسؤولية، وتُستعاد فيها ثقة المواطن في الدولة.

يبقى السؤال المفتوح: هل تلتقط الحكومة الحالية هذه اللحظة التاريخية، أم تفوّت فرصة أن تتحول من مجرد “مدبّرة أزمات” إلى “صانعة آفاق”؟ المؤشرات المتوفرة اليوم تترك الباب موارباً بين القلق والأمل. غير أن ما يمكن قوله بثقة هو أن المستقبل لن يشبه الماضي؛ فجيل Z لم يعد ينتظر وعوداً، بل يفرض واقعاً، والحكومة في صيغتها الحالية أو الحكومة المقبلة ستكون مضطرة للتكيف، إما بوزراء تكنوقراط يملكون أدوات الإصلاح، أو ببدائل أكثر جذرية يفرضها الشارع.

هكذا، من قلب النقد ينبثق الأمل: قد تكون الأزمة بداية تشكل جديد لسلطة أكثر رشداً، ومسؤولية أكثر صدقاً، وحوارٍ بين الدولة والمجتمع لا يقف عند حدود الشعارات، بل يتجسد في إصلاح حقيقي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة